الإصلاح المؤسسى وتعثر الثورة المصرية: نقاط ملهمة من تجارب أوروبا الشرقية - نادين عبد الله - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 8:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإصلاح المؤسسى وتعثر الثورة المصرية: نقاط ملهمة من تجارب أوروبا الشرقية

نشر فى : الأربعاء 28 ديسمبر 2011 - 9:20 ص | آخر تحديث : الأربعاء 28 ديسمبر 2011 - 9:20 ص

لن نفصح عن سر إن قلنا إن الأحداث الأخيرة الدامية التى تورط فيها الجيش المصرى لا تعنى سوى تعثر واضح للثورة المصرية، وإحباط غير بعيد لحلم بدا لنا قريبا. ولقد لاحت فى الأفق بوادر هذا التعثر منذ عدة أشهر مضت حين تبين لنا فشل المجلس العسكرى فى إدارة المرحلة الانتقالية، وهو ما نتج عنه دخول البلاد فى ما يشبه النفق المظلم، والذى يعمل على تعميقه شعور أغلبية ساحقة من المجتمع المصرى بأن ثمة شيئا لم يتغير بعد ثورة 25 يناير. وفى هذا الإطار نتساءل: هل من نقاط ملهمة يمكن أن نستشفها من تجارب أوروبا الشرقية فيما يخص إدارة المراحل ما بعد الثورية؟

 

المتابع لعمليات التحول الديمقراطى فى هذه الدول يستطيع أن يستخلص نتيجة واحدة نبنى عليها طرحنا ألا وهى أن السبب الرئيسى فى نجاح أغلب دول أوروبا الشرقية فى موجتها الأولى، والتى بدأت فى نهاية الثمانينات (بولندا، تشيكوسلوفاكيا، المجر.. إلخ) فى مقابل تعثر عدد من دول الموجة الثانية التى بدأت مع الألفية الثانية (صربيا، أوكرانيا، جورجيا...إلخ) يرجع إلى القدرة على إجراء إصلاحات مؤسسية جذرية تنهى من جهة هيمنة النظام القديم فكريا وإداريا، وتعمل من جهة أخرى على توزيع السلطات حتى لو بشكل غير كامل أو مثالى.

 

فقد استطاعت كل من بولندا والتشيك مثلا من خلال ما عرف بـ «مفاوضات المائدة المستديرة» التوافق على طريقة إدارة المرحلة الانتقالية بشكل يمنع سيطرة شخص أو مؤسسة بعينها عليها. والأهم من ذلك هو نجاحها على إجراء تغييرات واضحة فى طريقة عمل مؤسساتها فيما عرف «بالإصلاح بالصدمة الكهربائية». وهى بالتالى لم تسع إلى تسكين مشكلات هذه المؤسسات، بل بالأحرى سعت إلى إجراء عمليات جراحية بداخلها تهدف إلى إعادة هيكلتها فعليا، والاطمئنان على ان ترسيخ المنهج الجديد يسبق إحلال الوجوه القديمة. وبقدر ما بدت هذه الإصلاحات مؤلمة وحاسمة فى الأمد القصير كانت مريحة ومثمرة فى الأمد البعيد.

 

وهو عكس ما شهدناه فى كل من صربيا وأوكرانيا مثلا. فقد تم اغتيال رئيس الوزراء الصربى الجديد على يد قوات المؤسسة الأمنية العصية عن الهيكلة والإصلاح، بعد استبعادهم منها. وقد دفع هذا عدد من الباحثين فى صربيا إلى توجيه نصيحة بحسن إدارة عمليات الإصلاح وليس فقط الحفاظ على جذريتها. أما فى أوكرانيا، فقد شهدنا مفارقة كبرى تمثلت فى ميلاد نخبة جديدة تعمل بداخل مؤسسات تسير وفق نهج النظام القديم وغير قادرة على إصلاحها. بالطبع، لم يفض ذلك سوى إلى توجه العملية السياسية برمتها إلى السلطوية. وأبرز دليل هو فوز يانكوفيتش فى انتخابات 2010 النزيهة، علما بأن اندلاع الثورة البرتقالية فى 2004 كان يهدف إسقاطه وإنهاء حكمه. وهذا لا يعنى سوى أن الشعب ذهب إلى صناديق الاقتراع واختار بمحض إرادته العودة إلى النظام القديم الذى بدا لهم أكثر انضباطا من النظام الجديد رغم انتهاكاته الجسيمة. ولا يمكن تفهم هذا الاختيار الشعبى إلا إذا عرفنا أن الفترة ما بعد الثورية فى اوكرانيا والتى امتدت من 2004 إلى 2010 شهدت تكتل غير مسبوق للسلطة فى يد الرئيس الثورى الجديد يوشانكو الذى قاد البلاد بطريقة أبوية قائمة على فكرة إنه المخلص والحامى لأمته. يضاف إلى ذلك وبطبيعة الحال فشله فى بناء دولة القانون، الأمر الذى أدى إلى تفشى الفساد فى جميع المؤسسات، فلم تتغير نسبته وفقا لمنظمة الشفافية الدولية من 2004 وحتى 2010. ناهيك عن المؤسستان القضائية والإعلامية، فقد ظلتا فى عهده غير مستقلتين وتابعتين بشكل ظاهر للنظام السياسى.

 

●●●

 

وللأسف تشهد المرحلة ما بعد الثورية فى كل من أوكرانيا ومصر سمات متشابهة نخشى أن تتنهى بنا إلى نفس المصير. فرغم اختلاف النخبة التى تولت الحكم بعد الثورة فى الدولتين لم تختلف النتائج قط. فالمجلس العسكرى لم يدفع سوى إلى تركيز السلطات فى يده والحيلولة دون أى إصلاحات مقنعة لمؤسسات على حافة الانهيار. وإلا فما هى الرسالة التى تبعثها لنا الأحداث الدامية المتلاحقة بداية من أحداث ماسبيرو وشارع محمد محمود وانتهاء بأحداث مجلس الوزراء المخزية. فى كل مرة نشهد مؤسسة أمنية غير مهنية ومؤسسة إعلامية منفلتة، ومؤسسة عسكرية عصية عن المحاسبة. فالأمن يصر على انتهاك حقوق الإنسان والمجلس العسكرى يؤيد ذلك بشكل سلبى أو إيجابى أما الإعلام الرسمى فيدافع عنهما فى مشهد يندى له الجبين. هذا بالإضافة إلى إننا لا نجد أى قدرة كى لا نقول رغبة فى الملاحقة القانونية والقضائية للمسئولين الأمنيين أو العسكريين أو حتى هذا المدعو «الطرف الثالث» المتورط فى هذه الأحداث المتتابعة فى انتهاك فج ليس فقط للعدالة ولكن أيضا لكرامة الإنسان.

 

وفى هذا الإطار، تتحول دولة القانون فى مصر إلى وهم كبير فى ضوء مؤسسات لم يتم إصلاحها سوى قشريا، وفى إطار فلسفة قامت على أساس تبديل الرموز بدلا من تغيير الفكر أو منهج الإدارة. ويؤكد على هذه الوضعية الموقف الضعيف والمخجل للحكومة الجديدة حيال هذه الأحداث. فقد اقتصر دورها على التهدئة والتسكين بمنطق التجربة الأوكرانية لا المعالجة والتغيير بمنطق التجربة البولندية او التشيكية. وكانت شبيهة بالمفعول به أو بما لا محل له من الإعراب ولم تنل شرف الفعل أو إعراب الفاعل ولو للحظة واحدة. وهنا مكمن الخطر وشبح التلامس مع التجارب الفاشلة، حيث تختفى أى حماية مؤسسية لعملية التغيير الديمقراطى، فلا نجد أى ضامن فعال لتطبيق القانون وحماية التجربة الوليدة من كل من تسول له نفسه سحب البلاد فى اتجاه منافى للديمقراطية أو قواعدها.

 

ويزداد الأمر سوءا إن أدركنا إننا نسير فى دائرة مفرغة: فلم نجد سوى جهتين فقط قادرتين ــ ولو بشكل نسبى ــ على العمل المؤسسى، وهما القضاء والجيش، كى نعتمد عليهما كليا لإتمام العملية الإنتخابية وإدارتها. وهو أمر يدفع بصفة عامة إلى تركيز العبء على من يحظى بقدر من المؤسسية، وبالتالى إلى تكتيل كل السلطات فى يديه. وهنا يفتح الباب على مصرعيه أمام إعادة إنتاج النظام السلطوى ولو فى ثوب جديد.

 

●●●

 

أتروننى متشائمة؟ لا لست كذلك لأن قناعتى هى أن التغيير المجتمعى التحتى لا يقل أهمية عن التغيير المؤسسى الفوقى، فقدرة المجتمع على التماسك والضغط بشكل منظم من أجل تغييرات حقيقية هى الضامن الثانى لنجاح أى تجربة تحول نحو الديمقراطية. ولا يمكن لأحد منا أن ينكر أن ثمة شيئا قد تحرك بداخل المجتمع المصرى الذى بدا رافضا لأى تغيير صورى أو تحول نحو ديمقراطية منقوصة. وهل للمد الثانى من الثورة المصرية الذى شهدناه عشية الانتخابات البرلمانية تفسير غير ذلك؟ وهل للمظاهرات الحاشدة والمنددة لانتهاكات المجلس العسكرى إثر أحداث مجلس الوزراء معنى آخر؟

نادين عبد الله باحثة سياسية في منتدي البدائل العربي للدراسات وباحثة دكتوراه في جامعة جرونوبل بفرنسا
التعليقات