ما زال أمل دنقل مثيرًا للدهشة.. قصيدة مجهولة فى ذكرى رحيله - شعبان يوسف - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 10:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما زال أمل دنقل مثيرًا للدهشة.. قصيدة مجهولة فى ذكرى رحيله

نشر فى : الجمعة 18 مايو 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 18 مايو 2012 - 8:00 ص

رغم أن أعواما كثيرة مرت على رحيل الشاعر الثائر أمل دنقل، إلا أنه يباغتنا فى سكونه بمفاجآت جديدة، ولا تمر ذكرى إلا وفيها بضعة عناصر جديدة حول حياته وشعره وكتاباته عموما، وكنا قد قدمنا عددا من القصائد التى نشرها أمل فى دوريات، ولم يضمها لمجموعاته الشعرية، لأسباب مختلفة، وليس لسبب واحد، ومن الأسباب القوية أن دنقل كان يؤمن بوحدة الديوان، ولابد ـ فى اعتقاده ـ أن الديوان يكون نسيجا متقاربا، لا توجد به نشازات، لذلك استبعد قصائد كثيرة لا يراها مناسبة لهذا الديوان أو ذاك، وربما كان ينتظر مناسبات لم تأت فى حياته، ولكن المدهش أن الأعمال الشعرية الكاملة التى صدرت فى طبعات مختلفة استبعدت ـ كذلك ـ هذه القصائد، ربما لعدم توافرها، وربما عن قصد، ولأن الشاعر هو أمل دنقل، الذى لم يكن شاعرا عابرا بشكل مطلق، لكنه كان وما زال شاعرا فى قلب الحركة، وهو الشاعر الأكثر تأثيرا وحضورا بين كل شعراء جيله وما بعد جيله أيضا، لهذا فنحن يهمنا كل ما كتبه هذا الشاعر الثائر من شعر ونثر، ولذلك تأتى أهمية هذه القصيدة التى ننشرها اليوم، التى تعبر بشكل قاطع هى وقصائد أخرى أن أمل دنقل كان يقف فى المعسكر الذى يؤيد (الثورة) عندما كانت فتية وذات أحلام عريضة، وتحتضن أشواق وآمال الفقراء، والدليل على ذلك قصيدته (أغنية للاتحاد الاشتراكى) التى نشرها فى مجلة صباح الخير، التى كان يقتفى فيها أثر أستاذه الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى، الذى كان قد كتب قصيدة تحت هذا العنوان ذاته، كذلك القصيدة التى ننشرها اليوم، والتى نشرها الشاعر فى مجلة صباح الخير العدد رقم 498، وفى 22 يوليو، والعدد كان يحتفل بالعيد الـ13 لثورة يوليو، وتحت عنوان (العمارة رقم 13 شارع النصر)، وكتب عديدون فى هذا العدد، ومجدوا الثورة،

 

وسردوا فضائلها، على اعتبار أن سكان العمارة هم أصحابها وهم الذين بنوها وهم الذين يديرون شئونها، وفى هذا الإطار قدم المحرر قصيدة الشاعر أمل دنقل بصفته أحد سكان العمارة، يكتب المحرر فى التقديم: (ما من فنان فى العمارة رقم 13 شارع النصر، إلا وله حكاية مع عم محمد، وفنانو العمارة كثيرون، لعم محمد أفضال عليهم لا تعد، أهم أفضاله أنه كان إلهاما لكثير من أعمالهم، وذات مساء جلس عم محمد مع شاعر من شعراء العمارة وقال: تعرف؟ جدى خدوه زمان يفحت فى القنال! وانتفض الشاعر أمل دنقل، وكتب هذه القصيدة) هذا هو التقديم الذى جاد به محرر المجلة، ولا أظن أن له علاقة وطيدة بما هم فيه من احتفال وتكريم للثورة، لكن أمل دنقل كان يتعامل مع التاريخ عموما بصفته المنهل الطبيعى للدراما الإنسانية، وأزعم أن هذه القصيدة المبكرة (كان عمره خمسة وعشرين عاما) آنذاك، وكانت هذه القصيدة مقدمة مهمة ومحورية لقصائد كثيرة اتخذت من التاريخ مادة خصبة للدراما الشعرية، وعلى رأس هذه القصائد قصيدة (لا تصالح).. ودواوين أمل كلها تذخر بهذا العنصر الذى يستمد من التاريخ مادته الشعرية والدرامية عموما.

 

وبالطبع يأتى عنوان القصيدة لافتا، وهو يحمل اسم الامبراطورة (أوجينى )التى حضرت عام 1879 حفل افتتاح قناة السويس، مدعوة من الخديو إسماعيل، وهى زوجة نابليون الثالث امبراطور فرنسا فى ذلك الوقت، وكان قد تزوجها عام 1853 وجاءت الامبراطورة الجميلة الاحتفالية الضخمة، ونالت من التقدير الاسماعيلى ما يفوق الخيال، ومما أدهشها هى شخصيا من كيفية وكمية السفه المخيمة على الموقف، وفى بلاد فقيرة، وتذخر كتب التاريخ بما قالته الامبراطورة فى هذه المناسبة، والتقط الشاعر الثائر أمل دنقل تلك المفارقة ليصنع منها أنشودته وقصيدته الرائعة، التى تحتاج إلى تأمل وتحليل واف لا يتسع لها المجال هنا.. وأترككم مع قصيد (أوجينى) للشاعر أمل دنقل.

 

 

 

أوجينــــــــــــــــى

 

  النشيد الأول

 

القرن التاسع عشر

 

العام التاسع والستون

 

وأيادى الشركس تقرع أبوابا قد عنكب فيها الحزن

 

«باسم خديوى مصر

 

يتقدم كل رعاياه بغلال الأرض

 

لضيوف افندينا فى حفل التدشين»

 

وتساءل فلاح مافون:

 

«ما التدشين؟.. وماذا يعنى التدشين؟!..»

 

..وانهال السوط على كتفيه يئن.

 

.. ......

 

«أوجينى .. وملوك الافرنج

 

سيزورون جناب الوالى

 

الليلة يحمل ما تحويه الدور إلى قصر الحاكم

 

ومضى..

 

والناس على صمت واجم

 

من عشر سنين

 

لم يترك فى الدور السود بصيص رجال

 

يتم أطفال الأطفال

 

زرع الحزن عليهم موالا يتلاحم فى موال

 

عشر سنين

 

والناس قوافل تمضى نحو الحفر

 

تحمل أفؤسها كى تتعانق أذرعة البحر

 

عشر سنين

 

لم يرجع غير من أخضر له عمر بعد العمر

 

عاد ليحكى.. لا تستره إلا أسمال

 

عاد ليبصق خيطا أحمر يتمشى فى كل سعال

 

والقرية تنفض مأتمها لتقام مآتم أخرى

 

والأرض العانس ظلت.. بكرا

 

والجوع يعشش فوق الحزن على الأعصاب

 

عشر سنين

 

والقرية تنتظر الرحمة

 

وقلوب النسوة تمشى فوق زجاج مكسور

 

وحياة القرية يجرعها طنبور

 

يلقيها لغدير الظلمة

 

عشر سنين

 

عشر سنين

 

أوجينى تشهد جيف سنين عشر

 

أوجينى!.. من أوجينى؟

 

وتزاحم قوم حول فقيه القرية

 

من أوجينى يا سيدنا؟!

 

النشيد الثانى

 

الأوبرا تزخر بالأنوار

 

موسيقى (فردى) فى أعصاب المخمورين

 

بعد التدشين

 

أوروبا تشهد يا عايدة

 

عايدة تجلس فى (البنوار)

 

والكتف البض يدغدغ أعصاب أفندينا

 

الأوبرا تغرق فى التصفيق

 

وأفندينا يغرق فى أوجينى

 

فى شمات الهواريين

 

والركب الملكى الميمون

 

يتنسم ـ عبر هتاف الشعب ـ طريقا بعد طريق

 

يتهادى للهرم الأكبر

 

وأفندينا انفرد باوجينيه

 

فى مركبة ألف ستار دار عليها بحواشيه

 

أوجينى ذات الجسد الناصع كالقشدة

 

أوجينى ذات الشعر الأسود

 

أوجينىنهد من باريس

 

لطفولة إسبانيا يتنهد..

 

... ويدور حوار مهموس:

 

أو تدرين بماذا أنا مشهور فى القصر؟

 

بماذا؟

 

بالإشباع

 

أو هز. كم أنت مسل للغاية يا (مونشير)

 

سأجرب ما قلت

 

أقريبا؟

 

يبدو لى ذلك

 

(فترة صمت)

 

ماذا تفعل يا (مونشير)

 

كن ملكا.. واصبر..

 

كن ملكا

 

واعتدلت جلسة اسماعيل

 

والعربة ذات الست خيول

 

تتهادى فوق طريق مائل

 

والحاشية الباريسية

 

تتبعها فوق خيول نابليونية

 

يوما ما.. بالت.. فى صحن الأزهر

 

........

 

وهتاف عراة وحفاة

 

ينطقهم كرباج يلسع

 

وأنين الشهداء الماثل

 

خلف ضفاف فناه

 

وأنين ملكى فى المخدع

 

وستائر ليل تسدل فى شباك الجمر

 

والعلم التركى الميت

 

أوجينى لؤلوة الظلمة

 

أوجينى لاهية الإحساس

 

وأفندينا يطرق أبواب الإفلاس

 

والجوع على الأفواه: نعاس

 

حملته إليهم أوجينى

 

لكن أوجينى عادت..

 

تحمل فى خديها وخز اللحية

 

والليل على كفيها.. ماس

 

........

 

أوجينى فخر الكاثوليك

 

قوم الإسكندر ذى القرنين

 

ويرد الناس:

 

الإسكندر ذو القرنين نصير «الخطر» القطب الأكبر؟

 

سبحان الله

 

ماشاء الله..

 

حمدلله على ما قدر،

 

فالخيرة فيما اختاره الله

 

أمل دنقل

شعبان يوسف  كاتب صحفي
التعليقات