نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا للكاتبة هدير أبوزيد، تناولت فيه الأسباب التى دفعت الحوثيين للانخراط فى الحرب بين إسرائيل وحماس، وتأثير هذا التدخل على التجارة الدولية، ومسار عملية السلام فى اليمن... نعرض من المقال ما يلى:
أثار اختطاف الحوثيين لسفن إسرائيلية فى البحر الأحمر وهجماتهم بالطائرات بدون طيار والصواريخ على إسرائيل ــ مبررين موقفهم بالحصار المفروض على قطاع غزة بمنع دخول الغذاء والدواء ــ العديد من التساؤلات حول عمليات جهود السلام فى اليمن، ومدى إمكانية فتح جبهات حرب جديدة بالمنطقة لا سيما مع استمرار حرب غزة.
• • •
يمكن تفسير تحركات الحوثيين الأخيرة بعدد من العوامل وذلك على النحو التالى:
أولا: وجدت الجماعة الحوثية فى حرب غزة فرصة لكسب تأييد شعبى داخلى وخارجى، إضافة إلى فرض نفسها لاعبا إقليميا، حيث جاء هذا التدخل بمثابة طوق النجاة للحوثيين وسط تدهور الأوضاع الاقتصادية فى مناطق سيطرتهم خصوصا مع الإضراب الشامل للمعلمين، ومطالب الناس بالخدمات، بجانب عدم قدرتهم على تشكيل حكومة جديدة بعد إقالة حكومة بن حبتور المتهمة بالفشل والفساد منذ أكثر من شهر.
فى هذا السياق، نجحت جماعة الحوثى لاستغلال أحداث غزة لجمع الأموال من الشعب اليمنى باسم دعم القوات الصاروخية. على الجانب الآخر، سعت جماعة الحوثى للخروج من عزلتها التى تعانى منها إقليميا ودوليا، ولطالما بررت الجماعة تمردها وانقلابها فى اليمن على أنه جزء من مشروع المقاومة. ولذلك عندما بدأ العدوان على غزة، كانت تلك لحظة مناسبة بالنسبة إليهم لحشد قاعدتهم من خلال إعادة تأكيد التزامهم بهذه الأهداف الأيديولوجية.
ثانيا: بما أن الحوثيين جزء من تحالف إقليمى واسع مع إيران، يمكن النظر إلى الهجمات الأخيرة على أنها تلبية لرغبات إيران التى تقود ما يعرف بمحور المقاومة، كما أنها خطوة طبيعية ومتوقعة؛ لأن إيران لا تريد أن تورط نفسها مباشرة فى الدخول فى عمليات حقيقية لدعم غزة، وبدلا من ذلك فهى تحرك أذرعها فى المنطقة لإسقاط الحجة بأنها تشارك فى دعم غزة.
باختصار، وزعت إيران الأدوار بين مليشياتها للضغط على إسرائيل والولايات المتحدة حتى لا تتعرض لهجمات مدمرة قد تقضى على برنامجها النووى، كما أنها بتحريكها المتزامن لمليشياتها فى العراق وسوريا ولبنان واليمن، تعمل على توظيف العدوان الصهيونى على قطاع غزة لتعزيز موقعها كفاعل إقليمى لتهديد دول الجوار، لكنها حريصة على أن يكون التصعيد ضد الاحتلال الإسرائيلى منضبطا لتجنب خوض حرب شاملة ستنهكها كثيرا وتفكك ما يسمى محور المقاومة.
• • •
أسفرت الهجمات الحوثية الأخيرة عن مجموعة من التداعيات المتوقعة خلال الفترة المقبلة، على النحو التالى:
أولا: استبعدت العديد من التحليلات أن تخوض واشنطن مواجهة عسكرية حاسمة مع الحوثيين، بسبب مخاوف إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن الأوسع نطاقا بشأن تقويض الهدنة الهشة فى اليمن وإثارة صراع أوسع نطاقا فى المنطقة.
لهذا السبب، جاء الرد الأمريكى على هجمات الحوثيين محدودا بشكل متعمد، حيث اكتفت بفرض عقوبات على 13 فردا وكيانا مسئولين عن توفير عشرات الملايين من الدولارات من العملات الأجنبية الناتجة عن بيع السلع الإيرانية وشحنها للحوثيين، كما أنها رفضت التأكيد بشكل قاطع ما إذا كانت الهجمات تستهدف السفن الأمريكية بشكل مباشر، وهو ما يشير إلى أن الإدارة الأمريكية تعمدت ترك الباب مفتوحا للمناورات السياسية.
على النقيض، رفض البعض تفسير الموقف الأمريكى بأنه تردد من اتخاذ خطوة عسكرية حازمة تجاه الحوثيين، لكنه يعود إلى التناغم مع الاتفاق الذى عقد تحت الطاولة ما بين الولايات المتحدة وإيران بأن يجعلوا الصراع الذى يخص الأحداث التى تقع فى غزة محددا، وضمن شروط واشتباكات لن تتجاوز الخطوط الحمراء. والشاهد على ذلك هو أن الاشتباكات والهجمات، التى تقوم بها أذرع إيران، على القوات الأمريكية لا تتجاوز، ولا تسقط جرحى أو قتلى، وهذا يدل على أنهم لا يريدون تصعيد الموقف العسكرى.
ثانيا: التداعيات المباشرة والمستقبلية للهجمات على مسار المحادثات السعودية ــ الحوثية، ومدى الالتزام الدولى بحل الأزمة اليمنية، وهو ما يمكن استعراضه على النحو التالى:
ــ بالنسبة لتدعيم الموقف التفاوضى للحوثيين، جادل البعض بأن الحوثيين نجحوا فى تحسين حظوظهم السياسية المتدهورة، وتقديم نفسهم كوجه مختلف للعالم العربى عن السعودية، التى كانت تتطلع إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ومن ثم فلم يروا أن هنالك حاجة للتوصل إلى تسوية مع خصومهم. لا سيما أن استمرار الحرب فى غزة يصرف الانتباه عن النزاع فى اليمن ويحد من جهود السعودية لإيجاد حل دبلوماسى مع الحوثيين، الذين قد يستغلون الأحداث لممارسة المزيد من الضغوط على الرياض بغية حصد تنازلات جديدة، وتحسين موقفهم التفاوضى.
ــ أكدت بعض التحليلات بأن هجمات الحوثيين على السفن فى البحر الأحمر ومضيق باب المندب، تهدد بنقل حرب غزة إلى اليمن، وتهدد مباحثات السلام الحوثية. فمع بقاء الحل الدائم للحرب فى اليمن غائبا، ومع احتمال مواجهة المملكة لموقف قد تضطر فيه إلى إحباط الهجمات ضد إسرائيل فوق أجوائها، هناك احتمال لتجدد الصراع فى اليمن.
ــ نوه البعض بأن حرب غزة يمكن أن تؤدى إلى إطلاق جهود على مستوى المنطقة تركز على المفاوضات، وهذا يشمل التواصل بين الرياض وطهران، والذى سيكون مفيدا وضروريا للتوصل إلى السلام فى اليمن. كذلك، قد يكون هناك تأخير فى المفاوضات الإسرائيلية ــ السعودية بشأن إقامة العلاقات رسميا، والجدير بالذكر أنه لم يصدر أى إعلان رسمى عن إلغاء التطبيع أو إيقافه رسميا. وهذا يمكن أن يوفر مساحة لعملية السلام فى اليمن، لأنه يقلل من الصدع المحتمل فى العلاقات السعودية مع إيران، الدولة الراعية الرئيسية للحوثيين. ومن ثم توفير فرصة للمملكة للاتفاق على حل مع الحوثيين.
فى اتجاه مضاد لهذا الطرح، أشارت بعض التحليلات بأن الهجمات الأخيرة لن يكون لديها تأثير كبير على مساعى وجهود السلام فى اليمن؛ لأن هذه الجهود متعثرة أساسا سواء بوقوع هذه العملية أو من دونها.
ثالثا: تهديد أمن البحر الأحمر، صحيح أن القرار الحوثى الأخير يعتبر بمثابة إعلان فرض حصار تجارى بحرى مباشر على إسرائيل من خلال البحر الأحمر، وهو ما سيساهم فى الصعوبات التى يواجهها الاقتصاد الإسرائيلى، لكنه يشكل تهديدا مباشرا للتجارة الدولية، من خلال التأثير على أسعار النفط، وتوقع زيادتها حال استمرار هذه الهجمات، عن طريق عرقلة عبور الناقلات النفطية إلى مختلف دول العالم، بجانب ارتفاع تكلفة التأمين على الشحن واللوجستيات، وهو ما سينعكس مباشرة على زيادة أسعار السلع وبالتالى رفع معدلات التضخم عالميا.
أخيرا، كشفت مصادر عن تلقى الحكومة اليمنية دعوة من الولايات المتحدة الأمريكية، للمشاركة فى تحالف عسكرى لمواجهة هجمات الحوثيين، وعبر غرفة عمليات مشتركة مرتبطة بقوة العمليات متعددة الجنسيات التى سيتم تشكيلها لحماية الملاحة فى البحر الأحمر.
• • •
ختاما، قد يستمر الحوثيون بشكل متقطع فى إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار واستهداف السفن المرتبطة بإسرائيل، لممارسة الضغط على إسرائيل لوقف الحرب، لكن من غير المرجح أن ينعكس ذلك على العدوان الإسرائيلى فى غزة أو يغير مسار الحرب، بل سيسفر عن أضرار مادية بسيطة، لأنه يهدف فى المقام الأول إلى تعزيز شعبية الحوثيين محليا وإقليميا.
النص الأصلي
https://bitly.ws/38gmY