فى الدرجة الأولى يواجه الوطن العربى فى هذه اللحظة كارثة السقوط المذهل للعديد من أقطار المشرق العربى، إمّا بسبب مؤامرات الخارج وإمّا بسبب فساد وبلادات الداخل وإمّا بسبب الاثنين. وهو أمر يستدعى أن يواجه قبل أن ينتشر غربا وجنوبا ليكتمل المشروع الصهيونى الاستعمارى بإنهاء المشروع العروبى الوحدوى الذاتى التاريخى وإحلال مكانه حلم مشروع الشرق الأوسط الكبير، المشروع الأمريكى الصهيونى المتجدّد.
هذا الجرح الخطير الجديد فى الكيان العربى كلّه، حاضرا ومستقبلا، يستدعى التفكير بمنطق الأولويات.
أولا: قيام أقطار المغرب العربى بتعويض انتكاسات المشرق العربى. ومعالجة الخلاف المزمن حول الصحراء الغربية بالتى هى أحسن، وأن الأولوية هى للعودة إلى مشروع الوحدة المغاربية، ومن ثم تطلب الجزائر اجتماع رؤساء الجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا وممّثل عن ليبيا لإحياء وبناء وتفعيل ذلك الاتحاد المغاربى ليلعب دورا محوريا فى استعادة التوازن القومى العروبى المشترك الذى دمّره تكالب الخارج وجهات الداخل.
سيتطلب ذلك شجاعة الجزائر التى عودتنا دائما على التصرف أثناء الملمّات بشجاعة وسيتطلب التزاما قوميا مسئولا من قبل الأعضاء الآخرين بترك الفرعيات والتوجّه إلى الأساسيات.
ثانيا: ومن أجل المساعدة فى تنقية أجواء المشرق العربى السياسية، التى امتلأت بالتشوهات والمطّبات الكارثية بحقّ العديد من أقطاره، سيحتاج مجلس التعاون أن يراجع الأدوار الخاطئة، التى لعبتها بعض أقطاره خلال العشرين سنة الماضية، والتى أضعفت المجلس إلى حد إيصاله أحيانا إلى إمكانيات الانحلال والتشرذم. وكانت بعض تلك الأدوار متناقضة مع المصالح العربية المشتركة وبعضها مع رابطة المروءة الأخوية فيما بين أقطار الخليج العربى نفسه ومع ضحايا حملة رافعى رايات العنف والجهاد التكفيرى المجنون، من مثل الذى اكتسح سوريا وهجّر نصف سكانها إلى المنافى وأسقط نظام حكمها مؤخرا.
آن أوان أن يضع المجلس خطوطا حمراء لا يمكن أن يتخطاها أى قطر باسم ممارسة السيادة الوطنية، دون تشاور مع المجلس وتوافق مشترك لا يضر المجلس ولا يضر المصالح القومية العروبية المشتركة.
ثالثا: ستكون كارثة لو أن كتلتى الاتحاد المغاربى الكبير ومجلس التعاون الخليجى لم يقوما بإقناع بقية الدول العربية والإسلامية فى الجامعة العربية وفى منظمة التعاون الإسلامى بأن ما تقوم به الجهتان هو محاولة التزامية من أجل أن تلتئم الجروح ويقف النزيف، وترجع فضيلة التوازن، حتى يستطيع العرب وأمة الإسلام معاودة السّير فى طريق الاستقلال والتوحّد والنهوض ومواجهة مؤامرات أعدائهم الإجرامية المتلوّنة وذات الألف قناع.
رابعا: وحتى لا تفاجئنا تلك الجهات الرسمية التى نتوجه إليها بطلب المساعدة وحمل المسئولية التاريخية بتقديم الأعذار الواهية، نعتقد بأن ما كتبنا عنه مرارا وكتب كُثر من الضرورة القصوى لقيام جبهة شعبية عربية تنسيقية تضامنية ديموقراطية، مكونة من طليعة من المتحّمسين من الأحزاب والنقابات والاتحادات وشتى مؤسسات المجتمع المدنى العربى المهنية والحقوقية والنسائية والشبابية وبعض الناشطين من مفكّرى ومثقفى الأمة، لقيامها فى الحال ودون تأخير من أجل تفعيل وتجييش قوى المجتمعات العربية وشعوبها للضغط على مؤسسات الحكم لتقوم بواجبها فى مواجهة الكوارث التى تعصف حاليا بأجزاء كبيرة من الوطن العربى، بل فى الحقيقة بكل الوطن العربى.
إنه سباق مع الزمن ولن يرحم التاريخ من يتقاعسون عن الاستجابة لمتطلباته قبل فوات الأوان.