لقد كتب كُثر عن شتى الأسباب، من مثل الدينية التوراتية والأيديولوجية السياسية العنصرية الاستعمارية والأوضاع العربية الخلافية المتضادة التى أضعفت ومزقت القدرات العربية القومية المشتركة، التى وراء مقترحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بشأن مصير ومستقبل قطاع غزة وشعبها.
اليوم نود إضافة سبب أمريكى آخر مقنع وراء مقترحات الرئيس وتصريحاته اليومية الغريبة المتناقضة: إنه سبب الاستفادة المتعددة الانتهازية لما يعرف اليوم بظاهرة «رأسمالية الكوارث». إن صور وأهداف وممارسات تلك الظاهرة قد بينتها بإسهاب الكاتبة والصحفية الكندية الشهيرة نعومى كلاين فى كتاب رائع متميز نشرته منذ بضع سنين تحت عنوان «مبدأ الصدمة وصعود رأسمالية الكوارث».
تشير المؤلفة إلى أنه ما إن تحدث فى أى بلد كارثة طبيعية كبيرة، أو اجتياح واحتلال تآمرى غير أخلاقى كالاجتياح الأمريكى للعراق لأسباب مفتعلة، أو حدوث أزمة مالية واقتصادية كبيرة كما حدث للعديد من بلدان آسيا وأمريكا الجنوبية وبعض البلدان العربية.. ما إن حدثت مثل تلك الظواهر الكارثية حتى رافقتها ظاهرة الصدمة الاجتماعية التى تصاب بها كل مكونات المجتمع فى البلد المصاب بالكارثة، بحيث يفقد المجتمع توازنه وكثيرا من قيمه وثوابته. وهذا يقود إلى قابلية ذلك المجتمع المصاب لقبول الكثير مما كان سابقا يرفضه.
هذا السقم والألم النفسى المجتمعى يجعل أفراد المجتمع متلهفين للخروج من آلامهم بأى ثمن.
هنا تأتى قوى رأسمالية الكوارث، من مثل التى ينادى بها الرئيس الأمريكى الحالي، لجنى الأرباح، بل وبانتهازية وقسوة حتى لو كان ذلك سيتم على حساب المنكوبين وبإخضاعهم أو تشريدهم أو سلب حقوقهم الإنسانية.
فالرئيس الأمريكى ومن وراءه يستطيعون بسهولة أن يدركوا أن ما جرى، وإلى حد ما لا يزال يجرى، فى غزة من كارثة إبادة وتدمير وحرق الأرض وما عليها قد حققت، حسب رأيهم، المطلوب الكافى من عدم التوازن فى طول وعرض مجتمع غزة وبالتالى مجتمع فلسطين، وأن إنسان غزة وفلسطين سيكون فى وضع نفسى لقبول مسرحية الإنقاذ من قبل شركات رأسمالية الكوارث، تماما كما رأوها تحدث فى كثير من البلدان التى تعرضت لكوارث طبيعية أو أمنية أو مالية عبر العقود الخمسة الماضية على الأخص.
بالطبع ما يشجع الرئيس الأمريكى وزمرته رؤيتهم للضعف العربى والإسلامى وتمزقه وعدم استعداد مؤسساته الاقتصادية والمالية للدخول فى هذه اللعبة الرأسمالية النيوليبرالية الحديثة.
تذكر الكاتبة بإسهاب وتفصيل دقيق بأن وراء مجىء ونضج ظاهرة رأسمالية الكوارث، التى تتبناها طبقة كبيرة من ميسورى أمريكا على الأخص، تذكر بأن وراء قبول فلسفة ظاهرة رأسمالية الكوراث مدرسة شيكاغو الاقتصادية الشهيرة التى قادها وأشرف على تخريج الألوف من أتباعها الاقتصادى النيوليبرالى العولمى المتوفى منذ بضع سنين ميلتون فريدمان، صاحب القول الشهير «فقط إبان الأزمات والصدمات يمكن إحداث تغييرات حقيقية.. فما كان سياسيا أمرا مستحيلا، يصبح فى الحال أمرا ممكنا»، أى أمرا مقبولا من الرأى العام المتعب المنهك. لقد كان فريدمان ومدرسته وتلامذته على سبيل المثال وراء نهب فقراء نيو أورلينز الأمريكية بعد تدميرها من قبل إعصار كاترينا الشهير، أو تقديم الاستشارات الاقتصادية الكاذبة للطاغية بينوشيه فى تشيلى الأمريكية الجنوبية، وغيرهما من أمثلة كثيرة أخرى.
وعليه، فإنه من الضرورى أن تؤخذ بالاعتبار مثل هذه الأفكار والممارسات، التى تبدو فى الظاهر أنها من أجل الخير ولكنها فى الباطن من أجل جنى الأرباح، من قبل أى مقترحات لمواجهة هذا الرئيس الرأسمالى الجشع بشأن غزة.. علينا ان نكون على دراية بألاعيب رأسمالية الكوارث، إضافة بالطبع إلى خلفيتها الاستعمارية والدينية الغربية والصهيونية، وأن نأخذ أيضا فى الاعتبار المجتمع الغزّاوى وهو فى معركة نضاله المبهرة.