قبل أيام نشر الزميل والصديق عمرو سليم رسام الكاريكاتير الأبرز فى مصر، رسما ملفتا فى الصفحة الأخيرة للزميلة «المصرى اليوم»، ومضمونه أن مسئولا إسرائيليا يسأل الرئيس الامريكى ترامب ساخرا عن الشىء الذى وضعه فى الشراب للمسئولين والحكام العرب، بحيث جعلهم يتقبلون قراره بنقل السفارة الامريكية إلى القدس بمثل هذه السهولة؟!!.
عمرو عبّر فى «رسمة واحدة» بأفضل مما يمكن أن يحويه مقال من مليون كلمة وربما أكثر . ومع ذلك نسأل ونكرر السؤال المنطقى والبديهى وهو: أين ذهب التضامن العربى والإسلامى والعالمى مع قضية القدس المحتلة؟!.
حينما قرر ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس العربية، شهدنا انتفاضة عربية إسلامية حقيقية، بل إن بلدانا أوروبية حليفة لواشنطن، عارضت القرار علنا، وانتقدته بشدة. ولأول مرة شهدنا توافقا عربيا إسلاميا على قضية واحدة.
المواطنون العرب عبّروا عن غضبهم بوسائل شتى من أول التظاهر والاحتجاج كما حدث فى فلسطين ولبنان، أو فى خطب المساجد، أو على صفحات التواصل الاجتماعى.
بعدها بأيام كتبت فى هذا المكان تحت عنوان: «التضامن مع القدس بتغيير صورة البروفايل»!!، محذرا من أن يكون ما حدث هو مجرد «انتفاضة فيسبوكية»، سرعان ما ستنتهى. ولم أكن وحدى بل إن بعضا من الكتاب والمعلقين فعلوا الأمر نفسه.
وباستثناء الشعب الفلسطينى البطل والصامد داخل أرضه، فلم نجد تحركا عمليا يواجه وعد ترامب أو ممارسات الاحتلال القمعية المتواصلة، والتى أسقطت عشرات الشهداء والمصابين وآلاف المعتقلين.
لكن للأسف الشعب الفلسطينى لن يحرر القدس وفلسطين وحده، لأن العدو متفوق نوعيا وكميا فى مجالات كثيرة، والمشكلة الحقيقية هى أن غالبية العرب والمسلمين، صاروا لا يتعاملون مع القضية الفلسطينية، باعتبارها قضيتهم المركزية. صار لكل دولة قضيتها المركزية، خصوصا البلدان التى ابتليت بداء الإرهاب مثل سوريا والعراق، أو داء التفكك والانقسام مثل ليبيا واليمن أو الطائفية مثل لبنان، أو الخوف من النفوذ الإيرانى مثل غالبية بلدان الخليج، أو الأزمة الاقتصادية والتهديدات الارهابية مثل مصر. هناك حكومات عربية صارت تنسق مع إسرائيل علنا ضد إيران.
غالبية الحكومات قمعت مواطنيها بصورة ممنهجة بحيث أن هذه الشعوب ضعفت واستكانت، أو صارت منهكة ومشتتة ما بين شعورها القومى الطبيعى بالتضامن مع فلسطين والقدس، وما بين حياتها اليومية المعيشية البائسة.
وطهران نفسها تقول كلاما كبيرا وعظيما عن التضامن مع القدس. لكن ما تفعله عمليا على أرض الواقع أنها تحاول السيطرة على البلدان العربية المجاورة.
وبالمثل فهناك بلدان مثل قطر وتركيا، ترفع راية التضامن مع فلسطين وتندد بقرار ترامب، لكن على أرض الواقع فإن قطر تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية خارج بلادها وهى «العديد»، وتركيا تستضيف أكبر قاعدة لحلف الأطلنطى وهى«انجرليك»، ولو كانوا صادقين فى كلامهم لأغلقوا هذا القواعد فورا، ولقطعت تركيا علاقتها مع إسرائيل!.
فى الماضى كنا نهدد إسرائيل بورقة التطبيع حتى تنصاع للقانون الدولى أو حتى تطبق اتفاقيات أوسلو الجزئية، لكننا وصلنا إلى حال، يترجى فيها البعض التطبيع مع إسرائيل من دون أى مقابل إلا الحماية من إيران!
الواقع مر ومرير ومأساوى، لكن ذلك ليس قدرا سرمديا مستمرا، وهناك نقاط ضوء ينبغى التمسك بها.
فقبل أيام كان هناك مؤتمر الأزهر العالمى لنصرة القدس واستمعنا إلى كلام طيب من غالبية المتحدثين، خصوصا كلمة شيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب. لكن الرجل نفسه قال إن الكلام وحده لا يفيد، وتحدث عن نقاط وخطوات وإجراءات عملية، ينبغى اتخاذها على أرض الواقع، إذا كنا جادين فعلا فى التضامن مع القدس ومنها مثلا تغيير المناهج الدراسية حتى يدرك التلاميذ والطلاب أن هناك قضية اسمها القدس يدنسها الاحتلال الصهيونى الفاجر.
ويبقى السؤال الجوهرى: إذا كنا نعرف لماذا تتخذ الحكومات هذا الموقف المخزى، فما هو تفسير هذا الموات الشعبى؟!.
الإجابة ببساطة أننا وصلنا إلى هذه الحالة بفعل سياسات ممنهجة منذ عقود طويلة. كان منطقيا أن تقود إلى هذه الحالة سياسات تتحملها الحكومات والنخب والمثقفون والمعارضة خصوصا الإسلامية التى تاجرت بالدين، ومهدت لإسرائيل وأمريكا التربة لنصل إلى هذا الموقف المأساوى.