«يمكن اختراق نظم التحكم فى مسار طائرة أمريكية بدون طيار من تلك التى تحلق وتطوف سماء اليمن. وبدلا من توجيهها لضرب إرهابيين أو مبنى يتبعهم، يتم توجيه الطائرة لقصف السفارة الأمريكية فى صنعاء».
كانت تلك هى خلاصة ما ذكره صديق أمريكى يعمل مع وزارة الدفاع جمعنى به لقاء وناقشنا فيه قضية تصعيد لغة العداء للصين فى الإعلام الأمريكى. وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد كشفت عن قيام وحدة تابعة للجيش الصينى تسمى «الوحدة 61398»، ومقرها الرئيسى يقع فى مبنى بحى بودونج بمدينة شانغهاى فى مبنى من اثنى عشر طابقا، بتنفيذ هجمات متواصلة على العديد من القطاعات الأمريكية الهامة. وذكرت شركة مانديا نت الأمريكية المتخصصة فى التأمين الإلكترونى أنه حان الوقت للاعتراف بأن مصدر القرصنة الإلكترونية التى تتعرض لها الولايات المتحدة هو الصين، حيث يتم تسليح وإعداد محترفين فى مجال الأمن الالكترونى «هاكرز» كى يقومون بهجمات مؤذية على شبكات الكمبيوتر الأمريكية الحساسة.
وطبقا لتقرير الصحيفة الأمريكية، يقوم الآلاف من الجنود الصينيين ممن يجيدون الانجليزية بتطوير برامج كمبيوتر تستطيع سرقة بيانات مخزنة على مئات من النظم الالكترونية لمئات من الشركات والمنظمات الأمريكية فى العديد من المجالات الهامة.
ويرى محللون استراتيجيون أن الحرب العالمية القادمة هى الحرب الإلكترونية. وتخشى الولايات المتحدة من قيام دولة عدوة أو تنظيم إرهابى بالسيطرة على مفاتيح إلكترونية مهمة مما يؤدى إلى مخاطر على حياة الأمريكيين والأمن القومى لبلادهم.
وهكذا يصبح الفضاء الإلكترونى ساحة معارك حقيقية بين القوى الكبرى. ويتخذ الجيش الأمريكى خطوات عملية لزيادة قواته الخاصة الإلكترونية خمسة أضعاف عددها الحالى خلال السنوات القليلة القادمة، وذلك لمواجهة تزايد تهديدات القرصنة الالكترونية. أما الجيش الصينى، فمن ناحيته أسس وحدة تسمى «الجيش الأزرق» وهى إدارة خاصة من أجل حماية الفضاء الإلكترونى الخاص بالجيش على شبكة الإنترنت، ولزيادة مستوى أمن شبكة القوات المسلحة الصينية.
•••
إلا أن الخطر الحقيقى يتعدى ما ذكرته صحيفة النيويورك تايمز، إذ يمكن اختراق مجموعة من الهاكرز المحترفين، وبمساعدة أجهزة استخبارات متقدمة، لنظم التحكم فى أسلحة الكترونية متقدمة يجىء على رأسها «الطائرات بدون طيار». وبعض هذه الطائرات تستخدم فى الاستطلاع والمراقبة، وتصوير مواقع ورصد تحركات أشخاص. وبعضها يمكنه الطيران لمدة أربعين ساعة متواصلة بدون توقف. وتستطيع هذه الطائرات أن تحمل قنابل يصل وزنها إلى 225 كيلو جراما. وتقوم هذه الطائرات بتصويب القنابل باستخدام شعاع الليزر وتصيب الأهداف بدقة فائقة، ذلك على الرغم من سقوط الكثير من الضحايا الأبرياء ممن يتصادف وجودهم مع، أو عند الهدف المحدد.
وطبقا لدراسة صدرت العام الماضى من وحدة ابحاث الكونجرس، هناك 66 دولة لديها طائرات بدون طيار، أو يحق لها أن تشتريها من الولايات المتحدة، مصر توجد ضمن هذه الدول التى لديها برامج عسكرية لتطوير طائرات بدون طيار.
والولايات المتحدة هى اكثر دول العالم استخداما لهذه الطائرات. وطبقا للسيناتور الجمهورى لندسى جراهام، فقد قتلت الغارات التى نفذتها طائرات أمريكية بدون طيار فى دول عدة، من أهمها اليمن وباكستان، خلال السنوات الماضية 4700 شخص.
وحذر وزير الدفاع الأمريكى ليون بانيتا خلال جلسة استماع عقدتها مؤخرا لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب من خطر تصاعد عمليات القرصنة الإلكترونية. وهكذا تغير التكنولوجيا الأولويات العسكرية للولايات المتحدة ويجعلها تختلف بشكل كلى عن تلك الاولويات التى ظهرت بعد هجمات 11 سبتمبر.
إلا أن حجم الأخطار لا يقف ساكنا عند الطائرات بدون طيار، فهناك مآسٍ مؤلمة إلكترونية متعددة. ويمكن لدولة معادية أو لمجموعة متطرفة استخدام الوسائل الإلكترونية والسيطرة على مفاتيح مهمة وحيوية ويمكنهم تحويل مسارات قطارات ركاب أو اعتراض وتحويل مسار قطارات محملة بمواد كيماوية قاتلة، ويمكنهم تلويث مصادر مياه الشرب فى المدن الرئيسية أو قطع التيار الكهربائى عن أجزاء كبيرة من بعض الدول. وكانت واشنطن قد قامت بشن هجمات إلكترونية معقدة على منشآت نووية إيرانية عام 2010 باستخدام فايروس «ستاكسنت»، كما أنشأت وزارة الدفاع الأمريكية قيادة جديدة تسمى «القيادة الإلكترونية «Cyber Command» لمواجهة مثل هذه التهديدات.
•••
ولم تعد القرصنة الالكترونية عملا مقتصرا على جماعات إرهابية أو جماعات شبابية احتجاجية، أو مافيا إجرامية، نحن نشهد اليوم بداية دولنة هذه القرصنة.
وتمهد هذه المؤشرات لاشتعال حرب باردة إلكترونية صينية أمريكية، ويرى الكثير من الخبراء أن الحرب مشتعلة بالفعل. يرى اللواء بنج كوانج تشيان، نائب أمين لجنة سياسات الأمن الوطنى الصينى أن «التاريخ يبرهن على أنه إذا أرادت الصين تجنب وقوع الحروب فلا بد أن تستعد لها. وكلما زادت الجاهزية للحرب، قلت إمكانية وقوعها، والعكس صحيح».
البعض يستخف بمخاطر هذه الحرب، ويرى أنها مبالغة أمريكية تستهدف تضخيم الخطر خدمة لمصالح عسكرية وصناعية واقتصادية. وهناك آخرون يهولون لخاطرها، ويرون مؤشرات بدأت بالفعل، ومنذ سنوات. وبين التهويل والاستخفاف يبقى من المؤكد أن تلك الحرب ستكون مدمرة، وأى عمل عدائى سيواجه بعمل عدائى موازٍ أو حتى يفوقه. الخوف الأمريكى الأكبر اليوم ليس إسلاميا كما كنا نعتقد أو نريد أن نعتقد، التهديد الأهم للولايات المتحدة صينى. التهديد الصينى موجود رغم زيادة التبادل التجارى والذى وصل العام الماضى إلى 536 مليار دولار.
هل هول صديقى الأمريكى من احتمال قصف واشنطن لسفارة بلاده فى اليمن؟ أم أنها فقط موضوع وقت، وحتما ستحدث على يد عسكريين من دول معادية، أو على يد هواة هاكرز؟