** ألا توجد نهاية لهذا الهبوط من أعلى إلى أسفل؟
لقد تحولت بعض البرامج، دون تعميم، إلى مسرح أراجوز، يخطفك فيه صاحبه إلى أعلى لحظة درامية تضحك الأطفال، وهى التى يضرب فيها الأراجوز زوجته بالعصا، وتلك عنصرية وإسفاف، لعله زرع فى وجدان الأطفال أيامها، بحق الزوج فى ضرب زوجته.. لكن هذا الإسفاف المضحك زمان بات إسفافا مخجلا ومؤلما يشع الحزن ويشيع الأخلاق، فتعددت المسارح، والمساحات والشاشات، واحتشدت بمبارزات يمارسها رياضيون وشخصيات رياضية، كأنهم من المجالدين، الذين كانوا يتقاتلون على أرض الكوليزيوم الرومانى (أول استاد فى التاريخ) بحيث تنتهى المباراة بمقتل المهزوم وبقاء المنتصر على قيد الحياة منتظرا مباراة أخرى، يتسلى بها القيصر وحاشيته!
** لا يدرك هؤلاء الرياضيون أنهم وسيلة بعض وسائل الإعلام لصناعة نسب المشاهدة العالية ونسب القراءة الكبيرة، والبعض منهم يتسلح بسلاح الرفض، والمعارضة، وإعلاء السلبيات فى المجتمع، والبعض يستخدم شخصيات كأنها كرات، يركلها، أو يركلها المختلفون والمتصارعون.. ولا يدرك هؤلاء أنهم مثل المجالدين الرومان، يتقاتلون لتسلية القيصر، وهو هنا الجمهور الذى يقال عنه ظلما إنه اللى «عايز كده»، فالجمهور لا يجد بضاعة أخرى عندهم، أو تتوه البضاعة الجيدة وسط هذا الكم من الإسفاف، ثم إن هناك فارقا واحدا ومهما بين هؤلاء الشخصيات التى تتقاتل على الشاشات والمواقع والأوراق وبين المجالدين، وهو أن كل مبارزة يخوضها هؤلاء، تنتهى بمقتل الخصمين، وتلك واحدة من المباريات التى توصف بأنها
تاريخية لهزيمة طرفيها. وهى هنا ليست مجرد هزيمة، ولكنها كارثة أخلاقية، تصنع الاحتقان، وتقود المجتمع وشبابه إلى الاقتتال الفكرى واللفظى.
** إن الرياضة تصنع البهجة والمتعة، وتعلى من الإحساس بالنضال والشرف والجمال، لكنها فى ساحاتنا ومسارحها، تصنع الألم، والحزن، والإسفاف.. ومن أسف جدا أن يطلب منا التعليق، والدفاع عن طرف ضد طرف، خاصة أن الخلط فاق الحدود، فظهرت إساءات لمدربين أجانب تحت عناوين تتعلق بالدين، وكنت أظن أنه معلوم تماما أن الدين لله، والسياسة فى صندوق الانتخاب، والرياضة للجميع.
ثم لماذا يسكت من يتعرض لاعتداء، لماذا لا يدافع المظلوم عن نفسه أمام المعتدى وأمام الظالم بالقانون، ولماذا يظل التراشق والادعاء والسباب وسيلة الفوز بالحق، بينما القانون هو الشرعية الوحيدة التى تحفظ كل حق؟!.. ومن جهة أخرى وإلى الذين يطلبون منا التعليق على تلك المباريات هل تظنون أن هناك هذا الوقت والجهد الذى يسمح لنا بمتابعة تلك المبارزات وهل تستحق أصلا أن نتابعها ونعلق عليها؟!