يظل الاكتئاب أحد أمراض النفس الأكثر انتشارا فى هذا العصر، وتظل أعراضه، وإن تنوعت واختلفت فى شدتها ــ بدءا من المشاعر الاكتئابية والميل للحزن والعزلة إلى الاكتئاب المرضى والرغبة فى الانتحار ــ هدفا لعلاجها بالعديد من وسائل الرعاية الطبية. مع التطور الهائل فى طرق تشخيص الاكتئاب وعلاجه ظل لغزا محيرا للإنسان وطبيبه معا، وظل الخوف من تراجع العلاج والانتكاسات ظلا قاتما لا يتوارى.
اليوم يعلن العلم عمّا يشبه المعجزة فى علاج الاكتئاب: دواء قديم جديد يقضى تماما على أعراض الاكتئاب ومشاعر الرغبة فى الانتحار فى وقت قصير حينما تفشل كل الوسائل المتبعة لعلاجه.
عن الإعلان عن اسم الدواء Ketamine استقبلته الأوساط العلمية بقدر من الدهشة ربما فاقت تلك التى أحدثها عقار الفياجرا الذى أنتجته شركة الدواء الدولية العملاقة بعد أن كانت تجرى تجاربها عليه كدواء لعلاج الأزمات القلبية.
يعرف الأطباء الكيتامين، خاصة من يعملون فى مجال التخدير، على أنه أحد الأدوية التى تستخدم بكثرة فى تخدير الأطفال، خاصة فى العمليات الجراحية كجراحات العظام «الكسور وخلع الكتف» أو مراكز الحروق إذ إنه بالفعل سريع المفعول مقاوم لدرجات الألم.
بدأ الحديث عن الكيتامين كعلاج للاكتئاب منذ عام ٢٠٠٦، حيث نشرت متتابعة بعض نتائج الأبحاث التى تشير إلى أنه بالفعل له أثر مقاوم للاكتئاب ويقضى على رغبة الإنسان فى الانتحار: النهاية التى تخيف دائما الطبيب المعالج وأسرة المريض.
أما التجربة الواقعية التى لفتت أنظار العالم لأهميتها، فقد بدأت فى نوفمبر ٢٠١٢ حينما سرد دينيس هارتمان Dennis Hartman رجل الأعمال الأمريكى قصته مع الاكتئاب الذى استمر يلازمه خمسة وعشرين عاما من أعوامه الستة والأربعين والذى انتهت معاناته منه فجأة بعد أن خضع لتجربة طبية تبناها «المعهد القومى للأمراض العقلية» فى الولايات المتحدة الأمريكية. انتهت معاناة هارتمان ــ وفقا لقوله ــ بعد أن تلقى على مدى أربعين دقيقة محلولا فى وريده يحتوى عقار الكيتامين. يؤكد هارتمان أن إحساسه قد اختلف تماما بعدها وأن هذا التاريخ يعد لحظة فارقة فى حياته وتاريخا جديدا.
بدأت عيادات العلاج بالكيتامين فى الانتشار فى الولايات المتحدة الأمريكية ومراكز مهمة للعلاج تحت مسمى التجارب الطبية منها مايو كلينيك وكليفلاند الشهيرة وتشير النتائج إلى ما يشبه المعجزة بالفعل مع الإشارة إلى أنه ليست هناك مؤشرات للإصابة بالإدمان مع العلاج.
يستخدم العلاج حاليا فى هيئة حقن محلول وريدى على مدى أسبوعين لست مرات بجرعات ضئيلة من الكيتامين يستمر تأثيرها لتسعة أشهر!
هل تحدث المعجزة بالفعل ويكون فى هذا المستحضر شفاء كامل من الاكتئاب؟
مازال العلم ينتظر نتائج تلك التجربة من المراكز الطبية المختلفة.. نحن أيضا بلا شك نتمنى أن تسفر عن نتائج إيجابية، فالاكتئاب أحد أمراض العصر التى استهدفت قدرات الإنسان وصحته النفسية، حتى وإن غاب عن أسبابها الميكروبات والفيروسات إلى أنه ظل مرضا معديا فى تقدير الكثيرين.