استطلاعات ما بعد التصويت: الجوانب الأخلاقية - ماجد عثمان - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 3:25 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استطلاعات ما بعد التصويت: الجوانب الأخلاقية

نشر فى : الأحد 1 يونيو 2014 - 9:00 ص | آخر تحديث : الأحد 1 يونيو 2014 - 2:55 م

تسعى استطلاعات ما بعد التصويت إلى التعرف على التصويت الفعلى للناخبين عند خروجهم من مراكز التصويت. وتفيد هذه الاستطلاعات فى التنبؤ المبكر بنتائج الانتخابات كما تفيد أيضا فى التعرف على خصائص الناخبين الديموجرافية وربطها باتجاهاتهم التصويتية. وتُسابق المؤسسات التى تُجرى هذه الاستطلاعات الزمن لتقديم نتائجها فى خلال ساعات قليلة من إغلاق مراكز التصويت. وقد بدأ إجراء هذه الاستطلاعات فى الولايات المتحدة الأمريكية فى السبعينيات، ثم انتشر إجراؤها فى باقى دول العالم.

وتعتمد قدرة هذه الاستطلاعات على التنبؤ الدقيق على عوامل فنية مثل مدى تمثيل العينة لمجتمع الناخبين. كما أن طبيعة السباق الانتخابى نفسه لها أهميتها، فالقدرة على التنبؤ تكون أكثر صعوبة كلما زاد التقارب بين المتنافسين. وترتبط دقة التنبؤ فى المقام الأول بدرجة الاطمئنان التى يشعر بها الناخب حيال الإفصاح عن رأيه وهو ما يتحقق فى الديموقراطيات العريقة.

وأهمية مثل هذه الاستطلاعات لا تقتصر على كونها تتنبأ بنتائج الانتخابات قبل إعلانها وبالتالى تُشبع فضول المواطنين تجاه حدث هام، وإنما أيضا تسمح من خلال التعرف على الخصائص الاجتماعية لمفردات عينة الاستطلاع بالتعرف على التفاوتات فى الاتجاهات التصويتية للشرائح الاجتماعية وللمناطق الجغرافية المختلفة. وتعتبر هذه الاستطلاعات المصدر الوحيد لتحليل وتفسير نتائج الانتخابات والاتجاهات التصويتية للشرائح الاجتماعية المختلفة حسب العمر والنوع ومحل الإقامة والانتماء السياسى والفكرى والدينى والعرقى، نظرا لأن بيانات التصويت نفسها لا تتضمن بطبيعة الحال أية توصيف للناخب إعمالا لمبدأ التصويت السرى الذى يحافظ على خصوصية الناخب.

وقد أجرى المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة» لثانى مرة فى مصر استطلاع بعد التصويت فى انتخابات الرئاسة المصرية لعام 2014 وكانت المرة الأولى خلال الاستفتاء على الدستور فى يناير 2014 والتى نجح المركز فى التنبؤ بنتائجها بدرجة دقة متناهية. وتعتبر استطلاعات ما بعد التصويت أصعب أنواع استطلاعات الرأى العام لأسباب لوجيستية ولأسباب منهجية، كما أن تكلفتها تكون باهظة. وهنا يجب أن أشير إلى أن استطلاع ما بعد التصويت تم تمويله من خلال البرنامج التليفزيونى «يحدث فى مصر» الذى تقدمه شبكة أم بى سى مصر، وتجدر الإشارة إلى أن الشبكة والتى حصلت على حق إذاعة النتائج أولا قد بادرت بالموافقة على إتاحة النتائج لكل القنوات التليفزيونية المصرية حرصا على وصول المعلومات لكل مواطن.

ونشير هنا إلى اعتبارات مهمة فى إجراء هذا النوع من الاستطلاعات وهى الاعتبارات الأخلاقية والقانونية وذلك طبقا للممارسات التى يتم الإلتزام بها فى دول العالم الديمقراطى سواء كان من العالم المتقدم أو النامى.

أولا: عدم إعلان النتائج قبل إنتهاء عملية التصويت فى اللجان الانتخابية لضمان عدم التأثير على الناخب.

ثانيا: إجراء المقابلة مع الناخب بعد انتهائه من الإدلاء بصوته.

ثالثا: إجراء المقابلة بشكل فردى وليس بشكل جماعى.

رابعا: عدم الخلط بين مراقبة إجراء الانتخابات واستطلاع رأى الناخبين.

وهنا يجب أن أشير إلى أن اللجنة العليا للانتخابات التى أشرفت على استفتاء دستور 2014 ولجنة الإنتخابات الرئاسية التى أشرفت على انتخابات الرئاسة لعام 2014 أضافت قواعد أخذت فى اعتبارها الواقع المصرى وتمثلت فى النص على عدم إجراء عملية الاستطلاع داخل المقر الانتخابى وإنما خارج الكوردون الأمنى الذى يحيط بالمقر والذى اعتُبر بمثابة حرم لا يجوز إجراء استطلاعات الرأى العام داخله حتى لا تتداخل مع أعمال المراقبة الموكلة للجمعيات الأهلية المناط بها مراقبة الانتخابات.

وقد نصت المادة السابعة من قرار لجنة الانتخابات الرئاسية رقم 15 لستة 2014 والمنشور فى الجريدة الرسمية عدد 14 مكرر (ب) فى 9 أبريل 2014، على ما يلى:

«يحظر نشر أو إذاعة أى استطلاع للرأى خلال الخمسة أيام السابقة على اليوم المحدد للاقتراع وحتى إنتهائه».

وقد وافقت اللجنة المشرفة على كل من الاستفتاء والانتخابات على الطلب المقدم من مركز بصيرة لإجراء هذه الاستطلاعات وفقا للضوابط المشار إليها وقد التزم المركز بها بكل صرامة وطبق أدوات الرقابة الذاتية النابعة من الضمير الوطنى الذى لا يغامر بتجربة ديمقراطية من أجل مكاسب انتهازية أو وفورات مادية تضاف إلى الرصيد البنكى خصما من الرصيد المهنى والأخلاقى.

وأود أن أشيد بالتفاعل الإيجابى لوسائل الإعلام مع استطلاعات ما بعد التصويت، كما أود أن أعبر عن سعادتى بقيام شبكة تليفزيون النهار بتمويل استطلاع بعد التصويت قامت به إحدى شركات دراسات التسويق الخليجية وهى ظاهرة صحية، أؤمن تماما أنها خطوة فى الاتجاه الصحيح لأن المنافسة هى التى تؤدى إلى الارتقاء بجودة المنتج. ومع حرصى الشديد على عدم التعليق على زملائى ممن يشتغلون بهذه المهنة الصعبة إلا أننى أجد واجبا علىّ حرصا على مستقبل هذه الصناعة أن أشير إلى ضرورة الالتزام بالمعايير الأخلاقية والقانونية لقياس الرأى العام وهو ما لم يحدث فى الانتخابات الأخيرة. وأقصد على سبيل المثال قيام إحدى الشركات التى قامت باستطلاع ما بعد التصويت بالإعلان عن النتائج قبل غلق أبواب التصويت حيث تم إعلان النتائج فى موقع أحد الصحف الإلكترونية مساء اليوم الثانى وفى إحدى الجرائد اليومية صباح اليوم الثالث للانتخابات وهو خرق صارخ قد يدعو المشرع إلى عدم السماح مستقبلا بإجراء مثل هذه الاستطلاعات وهو ما سيحرم المجتمع من إضافة معرفية قيمة.

ماجد عثمان مدير المركز المصرى لبحوث الرأى العام (بصيرة)
التعليقات