يقوم المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة» بتنفيذ استطلاع رأى عام شهرى لتقييم أداء الرئيس على عينة عشوائية من المصريين من خلال مقابلات هاتفية تستهدف عينة حجمها 2000.
وبدأ إجراء هذه الاستطلاعات منذ بداية فترة رئاسة الرئيس الأسبق محمد مرسى واستمرت حتى الآن باستخدام نفس المنهجية سواء فيما يتعلق بتصميم العينة أو حجمها أو صيغة السؤال الذى يتم توجيهه. كما أجرى المركز استطلاع رأى سنويا على عينة أكبر تسمح باستخراج تقديرات حول اتجاهات الرأى العام على مستوى المحافظات، وكانت أول مرة فى شهر يونيو 2013، فى نهاية السنة الأولى لولاية الرئيس الأسبق محمد مرسى (وأجرى فى منتصف شهر يونيو على عينة حجمها 6000)، كما تم تكراره منذ أيام قليلة فى نهاية السنة الأولى لولاية الرئيس عبدالفتاح السيسى على عينة حجمها 8500. ونعرض فى هذا المقال أهم نتائج هذا الاستطلاع:
ــ احتفظ الرئيس السيسى بمستوى شعبية مرتفع حيث تراوحت نسبة الموافقين على أدائه فى 10 استطلاعات شهرية متتالية بين 82% و93%.
ــ نسبة الموافقة والتى تنقسم إلى شريحتين (موافق جدا أو موافق) غير متساويتين وتميل بشكل واضح نحو موافق جدا، حيث بلغت نسبة الذين ذكروا أنهم موافقون جدا 69% وهو ما يعكس شدة فى المساندة تحتاج إلى تفسير.
ــ مع التسليم بارتفاع نسبة الموافقة على أداء الرئيس إلا أن التفاوتات تشير إلى انخفاض نسبى بين الشباب الجامعى، كما تشير إلى تراجع فى بعض المناطق الجغرافية.
وهذه النتائج تثير تساؤلات مشروعة يجب ألا تغفلها النخب الحاكمة:
ــ مجموعة التساؤلات الأولى: هل من المنطقى أن يحافظ الرئيس السيسى على نفس مستوى شعبيته طوال سنة كاملة؟ وما هى أسباب ذلك؟ وهل يحدث ذلك فى مجتمعات أخرى؟
النمط المألوف للموافقة على أداء الرئيس فى معظم الدول أن يبدأ الرئيس بشهر عسل ترتفع فيه الموافقة على أدائه بدرجة أكبر من نسبة الذين صوتوا لانتخابه، ثم يبدأ المنحنى فى التراجع ويحاول الرئيس وإدارته رفع مستوى شعبية الرئيس وقد ينجحوا أو يفشلوا فى ذلك.
ويظل المنحنى الزمنى للموافقة على أداء الرئيس عرضة للتذبذب بناء على مؤشرات اقتصادية (مثل البطالة أو التضخم) أو بناء على قرارات داخلية أو خارجية تؤثر على المنحنى بالصعود أو الهبوط. وهذا النمط هو النمط السائد فى المجتمعات التى قطعت شوطا فى استكمال المسار الديمقراطى.
قد تقع أحداث ذات تأثير كبير لا دخل للرئيس بها ولم يكن الرئيس سببا فى وقوعها وربما لم يتوقع حدوثها، ووقوع مثل هذه الأحداث ترفع أو تخفض من مستوى أداء الرئيس، ولا يحدث ذلك فى الدول النامية فقط وإنما يحدث أيضا فى الدول الديمقراطية. وعلى سبيل المثال، فى الولايات المتحدة كان مستوى الموافقة على أداء الرئيس جورج بوش الابن لا يتجاوز 50% قبل وقوع اعتداء 11 سبتمبر وأظهرت نتائج أول استطلاع للرأى أجرى بعد أيام قليل من هذا الحادث ارتفاع المؤشر إلى 92% وهو مستوى لم يحققه أى رئيس جمهورية أمريكى فى تاريخ استطلاعات الرأى العام التى تعنى بقياس الموافقة على أداء الرئيس والتى يمتد تاريخها لنحو 70 سنة.
مما لا شك فيه أن نشاط الرئيس وتواصله الإعلامى ورحلاته الخارجية ومتابعته لأدق التفاصيل أسهمت فى شعبيته. إلا أن المواطن المصرى لم يشعر بتحسن كبير فى ضبط الأسعار وفى خلق وظائف وفى مكافحة الفساد. ومع التسليم بأن إحداث إنجاز كبير فى هذه الملفات ليس بالأمر الهين، يظل احتفاظ الرئيس بشعبيته رغم عدم إحداث نقلات نوعية فى حياة المواطن يحتاج إلى تفسير. وأغلب الظن أن مجموعة العناصر التالية تفسر ثبات شعبية الرئيس:
ــ حالة الإحساس بالتهديد الداخلى التى يشعر بها المواطن المصرى نتيجة لأحداث العنف والتفجيرات الإرهابية التى تقع بأسلوب عشوائى.
ــ شبح التهديد الخارجى المتمثل فى حالة الانهيار التى يشهدها عدد من الدول العربية يدعو الكثيرين إلى التغاضى عما لا يرضيهم.
ــ أصوات إعلامية تكرس نظرية المؤامرة والاستهداف ويسيطر عليها الخوف من شبح انتهى أمره، تخلط بين المعارضة والخيانة ولا تريد لصوت أن يعلو على صوت المعركة حتى لو كان صوت يدعو للبناء وحتى لو كانت المعركة قد حسمت.
وهذه العناصر مجتمعة يمكنها أن تحيد تأثير عدم تحقيق طفرة فى نوعية حياة المواطن، ويظل السؤال إلى متى؟ وهل ستستطيع أجهزة الدولة أن تلبى تطلعات المواطن قبل أن ينفد الرصيد؟
ــ مجموعة التساؤلات الثانية: هل هناك تفاوت بين النخب والجمهور العام؟ ما هو تأثير الانتقادات التى تثيرها النخب على شعبية الرئيس؟
على الرغم من صعوبة تعريف النخب وصعوبة القياس الدقيق لمدى تأثيرها على الجمهور العام، فإن لها دورا لا يمكن تجاهله فى تشكيل الرأى العام. وأحد المقاييس الكيفية التى يمكن الاسترشاد بها فى قياس توجهات النخبة المصرية هو توجهات كتاب المقالات فى الصحف المصرية.
والمتابع لهذه المقالات يلحظ أن حجم النقد فى ازدياد واضح خلال السنة ويتناول النقد بالدرجة الأولى ملفات الإصلاح السياسى والتشريعى والحريات. يضاف إلى هذه المساحة المتزايدة من النقد توقف بعض أصحاب الأقلام عن الكتابة.
وتشير الخبرة التى تراكمت من استطلاعات الرأى العام التى تم إجراؤها خلال فترة رئاسة الرئيس السابق محمد مرسى، إلى أن بداية تراجع شعبيته جاءت من الأعلى تعليما ومن الشباب ومن سكان المحافظات الحضرية. ويشير تحليل نتائج استطلاعات الرأى العام خلال هذه الفترة إلى أن رأى النخب كان معديا، بمعنى أن التراجع فى الشعبية عندما تملك من النخب فإنه سرعان ما انتقل إلى الجمهور العام.
وتشير نتائج استطلاع شهر يونيو إلى وجود تفاوت بين الجامعيين الشباب وبين باقى فئات المجتمع، حيث تقل نسبة الذين ذكروا أنهم يوافقون بشدة على أداء الرئيس بين الجامعيين الشباب (45%) مقارنة بمتوسط العينة (69%). والأمر يستحق الدراسة إذا أخذنا فى الاعتبار أن هذه الشريحة هى المسئولة عن بناء المستقبل. وعلى الرغم من هذا المؤشر فإن الوضع الراهن يبدو مريحا، حيث لم ينعكس تأثير النخب التى يعتريها عدم الرضا على الرأى العام على نحو يمكن أن يسبب قلق للنخب السياسية الحاكمة.
فى النهاية، نقول إن الرئيس السيسى لايزال محتفظا برصيد مرتفع من الشعبية، إلا أن الرئيس والنخب الحاكمة يجب ألا يعتبروا أن هذا الرصيد غير قابل للنفاذ. فالنخب السياسية الذكية يجب أن ترطب الجو السياسى باستمرار ولا تعتمد على طفايات الحريق التى قد لا تنفع دائما، لاسيما إذا كانت منتهية الصلاحية.