أحمد الله أن هدانى هذا العام إلى مقاطعة كل برامج التليفزيون بلا استثناء والتفرغ والحمد لله لما هو أفضل وأبقى.. ككل المصريين توقعت هذا الهجوم الإعلانى على المشاهد المصرى المسكين الصائم فى أيام تذكره حرارتها بجهنم، لكنى لم أتوقع هذا التسونامى الذى جرف أمامه كل ألوان الدراما والمسلسلات والبرامج الدينية بعد أن انحسرت برامج الكلام والحمد لله.
إعلانات الكمبوند السكنية ومنها أكبر تجمع سكنى فى العالم تشعرك بأنك تعيش فى عالم مختلف تماما، تشعرك بأن الإعلان أصبع يفقأ عين الغالبية من البشر العاديين من أهل مصر، ويؤكد أننا وطن مصاب بانفصام الشخصية من النوع الخطير.
إعلان الحديد الذى يتمطى فيه ويتأوه «شحط» طويل عريض ــ وعذرا للوصف الدارج ــ ويدير طوق الهولاهوب حول وسطه بينما زميله فى سروال داخلى طويل ينط الحبل مع زملائه فى بركة من الطين: هل هذا إعلان الصناعة الوطنية يا أهل بر مصر؟!!
ما يهمنى بالطبع هو هذا الاكتساح لإعلانات المؤسسات الطبية والذى سبق أن استخدموا المرضى على استحياء فى الأعوام الماضية فكان أن يتقنوا هذا العام ألا أحد يحاسب أحدا فتعددت وجوه الأطفال: مرضى القلب ومرضى السرطان بلا أى شفقة أو رحمة بهم.
أما بنك الطعام الذى كان عليه أن يعد صناديق الطعام لأربعة ملايين مصرى جائع، فبالرغم من تقديرى للعمل فإن المرارة لم تفارقنى إثر رؤيتى للإعلان.
جلست بين شباب سكرتارية تحرير جريدة الشروق نرسم معالم الإعلان الوحيد الذى صدر لدعم رسالة معهد القلب القومى وتنشره «الشروق» ولم تتقاض عنه أجرا. قررنا أن يكون الإعلان أمينا صادقا صورة حقيقية لجراحى وأطباء المعهد أثناء تأديتهم أعمالهم اليومية.
إحصائية واضحة بسيطة للخدمات التى يقدمها المعهد تشير إلى أنه بالفعل مؤسسة خدمية من طراز فريد وأنه المكان الوحيد فى مصر الذى يلجأ إليه مرضى القلب من كل مكان على خريطة الوطن وحدوده.
ثم أردت إضافة بعض من الأسماء التى ندين لها بالفضل والتى ساهمت فى شراء مستلزمات طبية لازمة ليستمر العمل بكفاءة فى الصرح العظيم. رغم أن الأسماء جاءت مجردة من أى ألقاب ولم نشر فيها إلى أرقام إلا أننى قد مارست إلحاحا عليهم حتى قبلوا أن تضمهم أول قائمة شرف لأصدقاء معهد القلب القومى.
جاء إعلان معهد القلب القومى بسيطا معبرا من دون أى مبالغات أو مزايدات، بلا إلحاح على القارئ أو ابتزاز لمشاعره، فالصور تضج بالحياة وتعكس نوعية من العمل الخدمى المتميز، وتقدم صورة بهيجة لما عليه العمل فى معقل علم يخدم الإنسان ويعالج أوجاع قلبه.. لم نستعرض أوجاع مرضانا واحتفظنا لأنفسنا بملامح أطفالنا التى يلونها المرض باللون الأزرق القاتم الذى يعرفه جيدا كل طبيب قلب أطفال.
جاء إعلان معهد القلب القومى إعلانا بليغا محترما مرفوع الرأس يدعو الجميع للمشاركة فى دعم مؤسسة خدمية عريقة باقية لتخدم الجميع من أبناء الوطن.
أدعو كل من يقرأ كلماتى لمساندة معهد القلب القومى، ولو بالوقت، فلدينا مشروع طموح لإنشاء جهاز من المتطوعين للعمل فى خدمة المرضى داخل المعهد لساعات محددة.
الشكر موصول لـ«الشروق».. الجريدة التى تعلو فيها القيم النبيلة على أولويات رأس المال.