عراق يدخل الإيموبيليا - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الأربعاء 3 يوليه 2024 7:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عراق يدخل الإيموبيليا

نشر فى : الإثنين 1 يوليه 2024 - 7:30 م | آخر تحديث : الإثنين 1 يوليه 2024 - 7:30 م

بناء روائى جديد يضيفه ناصر عراق إلى قائمة أعماله التى تتخذ من القاهرتين الفاطمية والخديوية مسرحًا مكانيًا، ومن دولة محمد على وأبنائه فضاء زمانيًا. فبعد روايتيه: دار العشاق، والأنتكخانة، ها هو فى «أنا وعمى والإيموبيليا»، يستدعى سكان وزوار العمارة الشهيرة التى تقع عند تقاطع شارعى قصر النيل وشريف بوسط البلد، والتى كانت المسكن المفضل للمشاهير من السياسيين والفنانين فى أربعينيات القرن العشرين.

يدخل عراق، شقة مهندس المناظر والديكور السينمائى الألمانى روبرت شارفنبرج، الفار من ملاحقة الشرطة السرية الألمانية «الجستابو»، قبل أن يلجأ إلى مصر التى كانت ترزح تحت نير الاحتلال البريطانى إبان الحرب العالمية الثانية، فيستقبله عبدالسلام عابدين، كبير النجارين فى استديو مصر، بالترحاب والمأوى، قبل أن يذيع صيت الخواجة فى الوسط السينمائى، ويصبح من أشهر العاملين فى مجاله.

لا تفوت الرواية، الصادرة عن دار الشروق أخيرًا، فرصة لعرض انتقاد شارفنبرج، الشيوعى الهارب من جحيم النازية، فى وقوع المصريين تحت تأثير دعاية هتلر عن تحريرهم من الاحتلال، ويقول: «المصريون طيبون خدعهم هتلر بحديثه عن تحريرهم من الإنجليز، وهم يعلمون أنه لا أمان لطاغية، ولا مستقبل لشعب يتحكم فيه رجل واحد مهما أوتى من قوة».

حقبة زمانية مهمة فى تاريخ مصر، باتت قبلة عدد من الباحثين والروائيين، اختارها ناصر عراق ليعكس من خلالها شغفه بالفن السينمائى، وعشقه للفنون جميعًا، وهو الروائى والكاتب الصحفى والفنان التشكيلى، فظهرت رؤيته الناقدة، لمجتمع تهب عليه رياح عاتية وتضربه عواصف ما قبل ثورة يوليو 1952، لكنه فضل التوارى خلف رموز فنية فى التمثيل والغناء والإخراج، لا تزال أعمالهم حية فى وجداننا.

فى عمارة الإيموبيليا نتعرف على فكرى نجل عبدالسلام عابدين الذى احتضنه شارفنبرج وفاء لصديقه الذى رحل إثر حادث أليم، قبل أن يدعوه الابن بـ«عمى روبرت»، حبًا وتبجيلًا لدوره الكبير فى تربيته، ومساندته فى أصعب الظروف التى يمكن أن يمر بها «شاب يتيم الأم منكوب فى أبيه، لا أشقاء له» فيصبح «شجرة وحيدة فى صحراء قاسية»، لولا عطف الخواجة الألمانى. يمضى فكرى تحت مظلة عمه شارفنبرج، فيكمل تعليمه الجامعى متخرجًا فى كلية الآداب قسم التاريخ، ويشجعه الرجل على دخول المجال الفنى من باب كتابة السيناريو، ليتعرف على صلاح أبوسيف ونجيب محفوظ، ويحظى بالاقتراب من الآنسة أم كلثوم خلال بطولتها لفيلم «سلامة» مع الوجه الجديد وقتها يحيى شاهين، والمخرج توجو مزراحى صاحب شركة الأفلام المصرية.

تتحول الصالة الواسعة بشقة الخواجة الألمانى التى تقع فى الدور الخامس بعمارة الإيموبيليا، درة مبانى وسط البلد، التى بناها رجل الأعمال أحمد عبود باشا فى مطلع الأربعينيات من القرن العشرين، إلى ساحة لاستقبال الفنانين والكتاب احتفالًا بانضمام فكرى إلى جيش العاملين باستديو مصر.

يظهر فى الاحتفال الصاخب إستيفان روستى ويحيى شاهين، وفؤاد شفيق وفاخر فاخر وزوزو نبيل وعبدالوارث عسر وتوجو مزرحى ومساعده موريس مراد، شقيق ليلى مراد، والصحفى مصطفى أمين، والنجم الكبير نجيب الريحانى وجميعهم ارتبطوا بعلاقات حسنة مع الخواجة الألمانى الذى نعرف إلى أى مدى انخرط فى الحياة الفنية المصرية، بعد تصميمه ديكورات عدة أفلام شهيرة، منها «حياة الظلام» و«سى عمر» و«البؤساء».

فى «أنا وعمى والإيموبيليا»، يفجر عراق نقاشا بشأن نظرة بطله فكرى عابدين إلى المرأة، وتأرجح مشاعره بين ثلاث نساء هن: إلزام الفتاة الألمانية ابنة شقيقة الخواجة شارفنبرج، التى مرت بتجربة زواج قاسية قبل رحيل الزوج فى شجار بأحد البارات، وسنابل التى ينتشلها فكرى من بيوت المتعة المحرمة، قبل أن تصبح النجمة السينمائية الساطعة، وأخيرًا راجية الطالبة بكلية الآداب والسكرتيرة المكافحة من أجل إعالة أسرتها.

«أنا وعمى والإيموبيليا» إطلالة فنية واجتماعية على حقبة تاريخية خصبة، وتحية مقدرة من عراق للفنانين الأجانب الذين لعبوا دورًا مهمًا فى تأسيس صناعة السينما المصرية، أمثال مدير التصوير المجرى فرانسوا فاركاش، ومهندس الصوت جان هاليليان، ومدير التصوير الروسى سامى بريل، وصاحب استديو ناصيبيان الأرمنى هرانت ناصيبيان، وغيرهم. لا ينسى عراق حبه للسينما، وعشقه للكثير من الأفلام، خاصة التى تنتمى لمرحلة الأبيض والأسود، فاختار نهاية سعيدة لروايته على غرار نهايات أفلام المخرج حسن الإمام، فقد نجا الخواجة شارفنبرج من موت محقق على يد امرأة لعوب تسللت إلى شغاف قلبه، وحسم فكرى أمره وتزوج راجية.

التعليقات