بالأمس مرت ذكرى نصر العاشر من رمضان 1393 هجرية، (6 أكتوبر 1973)، وقبلها بيوم واحد صادف يوم الشهيد (9 مارس)، الذى نتذكر فيه استشهاد الفريق أول عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، الذى استشهد فى ذلك اليوم عام 1969، وهو القائد الذى جسد كل معانى البذل والعطاء فى ساحة الدفاع عن مصر، وعن شرف قواتها المسلحة.
استدعاء اللحظات الوطنية فى هذه الأيام ليس مجرد كلام عاطفى يُراد به تمجيد الذات بقدر ما هو استلهام لوقائع مر بها الشعب المصرى فى سنوات كانت مليئة بتحديات لا تزال شاخصة أمامنا، ليس باعتبارها جزءًا من الماضى، بل كونها حاضرة، يمكن أن نلمسها ونشتم ريحها، ولعل ما يجرى فى غزة والتهديدات التى تقف على حدودنا الشرقية فى سيناء مثال حى على التحدى الأكبر فى واقعنا اليومى.
فى الوعى الجمعى لا بد أن نتذكر حرب الاستنزاف التى شكلت جزءًا مهمًا من الصراع مع العدو الإسرائيلى بعد هزيمة يونيو 1976، وهى الحرب التى مهدت لنصر أكتوبر 1973، وكان ضمن معاركها ما قامت به المدفعية المصرية، فى 8 مارس 1969، من قصف مركز ضد تحصينات ومواقع العدو على الضفة الشرقية للقناة، وبعد قرابة خمس ساعات، من الاشتباكات تمكنت القوات المصرية من تدمير جزء من مواقع العدو، وإسكات بعض مواقع مدفعيته على خط بارليف.
فى صبيحة اليوم التالى لتلك المعركة (9 مارس)، ووفقًا لمذكرات المشير عبدالغنى الجمسى، سارع الفريق أول عبدالمنعم رياض، إلى الجبهة «ليشاهد بنفسه» نتائج قتال اليوم السابق، وكى يكون وسط جنوده على الخطوط الأمامية المقابلة للموقع 6 على الضفة الشرقية لقناة السويس عند الإسماعيلية.
على الجانب الآخر من القناة كان قائد الموقع الإسرائيلى، «قد لاحظ مجموعة من سيارات الجيب تتجه إلى الموقع المصرى بالقرب من حافة القناة، فاستنتج أن هذه الزيارة يقوم بها عدد من كبار القادة، فأصدر أوامره للمدفعية بتوجيه نيرانها إلى هذه السيارات بدلًا من المواقع التى كانت مستهدفة»، ليستشهد الفريق أول عبدالمنعم رياض.
كان لاستشهاد الفريق أول عبدالمنعم رياض وقع مزلزل، وترك إصرارًا وعزيمة لدى جنود وضباط القوات المسلحة على الثأر للشهيد، وتقديم كل غالٍ ونفيس لاسترداد الأرض، وهو ما تم فى العاشر من رمضان، السادس من أكتوبر، اليوم الذى يجب أن تروى وقائعه لكل الأجيال، ليكون درسًا عمليًا لمعرفة تاريخنا الوطنى، والثقة فى قدراتنا على حماية مقدرات بلدنا، فى أحلك الظروف.
ولمعرفة حقيقة ما صنعه الجندى المصرى فى العاشر من رمضان، ليس أفضل من قراءة اعتراف عدونا بما فعلنا، وفى مقدمة من اعترفوا بوقع الهزيمة المُرة على الإسرائيليين كانت رئيسة وزراء إسرائيل، فى ذلك الحين جولدا مائير.
فى مذكراتها التى حررها، وقدم لها محمد ماهر بسيونى، تحت عنوان «اعترافات جولدا» خصصت «المرأة العجوز»، كما أطلق عليها الرئيس الراحل أنور السادات، فصلًا كاملًا عن «الهزيمة» التى منيت بها إسرائيل، معترفة بأن ما حدث بعد ظهر السادس من أكتوبر «العاشر من رمضان» كان كارثة ساحقة وكابوسًا عاشته بنفسها، وسيظل باقيًا معها على الدوام، مؤكدة أن حرب أكتوبر كانت «أكبر خطر» عرفته إسرائيل.
تصف جولدا مائير فى الكتاب الصادر عن «مجموعة بيت الحكمة للثقافة» وقع المفاجأة للعبور المصرى العظيم فى يوم «كيبور» أحد أقدس الأيام لدى اليهود، «لم تكن الصدمة فى الطريقة التى بدأت بها الحرب فحسب، لكن أيضًا فى حقيقة أن عددًا من افتراضاتنا الأساسية قد ثبت خطؤها!».. وتمضى، قائلة: «كان احتمال الهجوم فى أكتوبر ضئيلًا، وكان هناك يقين بأننا سنحصل على الإنذار الكافى قبل وقوع الهجوم، وكان هناك إيمان بأننا سنقدر على منع المصريين من عبور القناة!».
لكن ثبت فشل كل التقديرات الإسرائيلية التى جعلت جولدا مائير تصرخ طالبة النجدة من الأمريكيين: «أغيثونااااا»، وهو ما يفعله الإسرائيليون فى كل حروبهم.. طلب النجدة من الآخرين!