نشرت صحيفة عكاظ السعودية مقالًا للكاتب عبده خال، تحدث فيه عن الدوافع التى تجعلنا فضوليين حيال أسرار الآخرين، ولماذا يكون الاعتراف بهذه الأسرار غير كامل.. نعرض من المقال ما يلى:
الفضول حالة قابضة، يصاب صاحبها بهوس امتلاك معرفة ما لا يعرف، وقبل فترة زمنية، وفى موقع (X) تم إنشاء (هاشتاج) بعنوان: يوم الاعتراف العالمى، ويبدو أن المنشئ (الفضولى) أراد (شفط) أسرار النفس البشرية من الداخل لتكون الاعترافات صافية من غير تلفيق أو تجميل.. بل قول الحقيقة كما هى من غير خشية أو لوم.
وقبل ظهور أدوات التواصل، كانت الاعترافات محل فضول الناس، وكان البعض - وأثناء ليالى السهر- يلجأ بعض السمار إلى هذا النوع من الاعترافات كتزجية الوقت، لكن كان من الصعوبة بمكان أن تكون الاعترافات حقيقية تمامًا وإنما تحدث انحرافات أو تغطية أو قفزات على الحقيقة ذاتها.
ولأن لكل إنسان أسراره الخاصة تظهر هذه اللعبة من أجل سلب تلك الأسرار أو تعرية الإنسان من أسراره التى يعيش بها كنوع من الملابس التى تستر بدنه، والنفس لها أسرار تستر أعماقها الداخلية، ومن الصعوبة بمكان أن يمنحك أى إنسان كل ما ترسخ فى داخله وخشى أن يتطلع عليه الناس (وهنا لا أتحدث عن الإثم وإنما عن حقائق لا تريد أن يعرفها الآخرون).
ورغم أن الكثير ممن شارك فى هاشتاج اليوم العالمى للاعترافات هم شخصيات افتراضية تتحدث من خلال اسم وصورة مفترضة لم يستطيعوا الحديث عن اعترافات جوهرية تمس الداخل.. وهذه الشخصيات الافتراضية لا يمكن أخذ اعترافاتها على أنها حقيقة بدءًا من عدم معرفة الشخصية فهى شخصية مزورة فى الأساس.
والذى أريد قوله إن الاعترافات مسألة خاصة جدًا وإذا أدخلنا إليها الجانب الدينى كمرتكز فلن يتحدث إنسان بحقيقة داخله إلا فى حالة ضيقة جدًا وفى أمر واحد.. وأذكر أننى قدمت شهادة روائية فى أحد المحافل الأدبية بعنوان (نسبة الاعترافات الروائية) فكان جوهر تلك الورقة أن الشخصية الروائية هى شخصية افتراضية ولا يعنيها أن تلصق بها أى تهمة، وبالتالى تكون شخصية عارية، ولا تحتاج أن تستتر أبدًا.
وقد شاركت أيضًا فى الحديث عن السيرة الذاتية عند الكتاب، فكنت ميالًا إلى نفى وجود سيرة ذاتية حقيقية أوردت كل الحقائق التى عاشها الكاتب، ذاكرًا أن التركيبة الثقافية للكاتب قائمة على الستر وأى خطأ يحدثه يمكنه التستر عليه والاستغفار من فعله بينما ثمة ثقافات تحتاج إلى التطهر واللجوء إلى شخصية تسمع تلك الاعترافات، وفى الحالتين هو اعتراف لشخص واحد وفى قضية واحدة وليس أمام الجميع.
كما أن معطياتنا الثقافية قائمة على التكتم وعدم المجاهرة ومن الوصايا: ألا تقول سرك لأحد، أو من لم يكن صدره أمينًا على سره فمن باب أولى ألا يكون الصدر الذى ائتمنته على سرك أمينًا عليه.
السؤال الحقيقى: لماذا نريد معرفة أسرار الآخرين؟ والإجابة عن هذا السؤال تفتح شهية بث الاحتمالات، ولن تصدق الإجابات كونها صادرة من أناس تتزاحم فى أعماقهم رغبات شتى قد يكون أهمها الفضول فى كشف دواخلهم على أنها هى إجابة.