تمويل خطة إعمار غزة - مدحت نافع - بوابة الشروق
الإثنين 10 مارس 2025 11:10 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

تمويل خطة إعمار غزة

نشر فى : الإثنين 10 مارس 2025 - 7:40 م | آخر تحديث : الإثنين 10 مارس 2025 - 7:40 م

 

 

بينما وقف العالم يستمع مشدوها إلى أحلام الرئيس الأمريكى بإعادة إعمار غزة المنكوبة، لتصبح منتجعًا يشبه الريفييرا! وحتمية مغادرة أهل غزة لها لإنفاذ هذا المشروع العجيب، بما ينطوى عليه ذلك الطرح من تصفية حتمية للقضية الفلسطينية، وتهجير جديد لأصحاب الأرض تحت مرأى ومسمع من العالم.. تصدت مصر مبكرًا لواجبها التاريخى الذى ألزمت به نفسها منذ نشأة القضية، ووضعت خطة رشيدة لإعادة إعمار غزة دون تهجير ساكنيها. كما تمكّنت مصر من الحصول على توافق عربى حول الخطة المذكورة، من خلال طرحها فى اجتماع القمة العربية الطارئ المنعقد فى القاهرة فى 4 مارس الجارى، وصدورها عن اجتماع القمة بعد تبنّيها من الدول المشاركة، إلى درجة حدت بمبعوث الرئيس الأمريكى الخاص للشرق الأوسط «ستيف ويتكوف»، للإشادة بالخطة واصفًا إياها بأنها تتضمن عناصر جاذبة وتعكس نوايا طيبة، مبديًا ترحيبه بالتعرف على مزيد من التفاصيل بشأنها خلال الفترة المقبلة، وذلك فى تغير مأمول فى الموقف الأمريكى.

من ناحية أخرى أبدى وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا دعم بلادهم للخطة العربية لإعادة إعمار غزة، وذكروا، فى بيان مشترك، منذ أيام أنها: «تظهر مسارًا واقعيًا لإعادة إعمار غزة وتتعهد، إذا تم تطبيقها، بتحسين سريع ومستدام للظروف المعيشية الكارثية للفلسطينيين الذين يعيشون فى غزة».

• • •

تتضمن الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة، التى تم اعتمادها خلال القمة العربية الطارئة فى القاهرة، ثلاث مراحل أساسية، تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين فى القطاع، وتمتد على مدى خمس سنوات، وتشمل:

1. المرحلة الأولى (التعافى المبكر): والتى تستغرق ستة أشهر مركّزة على إزالة الأنقاض وإعادة تدويرها، وتحييد الذخائر غير المتفجرة، وتوفير 200 ألف وحدة سكنية مؤقتة لإيواء السكّان المتضررين. وذلك من خلال عمل لجان متخصصة من الخبراء. خلال هذه المرحلة، يفترض إنشاء سبعة مواقع تستوعب ما يربو على 1,5 مليون فرد. كما تنص على ترميم 60 ألف وحدة مدمّرة جزئيًا بهدف استيعاب 360 ألف فرد عند الانتهاء من عملية الترميم.

2. المرحلتان الثانية والثالثة (إعادة الإعمار): ويستغرق إعادة الإعمار أربع سنوات ونصف السنة، وتشمل بناء 400 ألف وحدة سكنية دائمة، وتطوير البنية التحتية مثل الطرق والموانئ وأهم المنشآت الحيوية، وإنشاء محطات للطاقة الشمسية ومراكز إدارية وحكومية، بالإضافة إلى بناء مستشفيات ومدارس.

وقد قدّرت تكلفة الخطة الإجمالية بنحو 53 مليار دولار يخصص منها 3 مليارات لمرحلة التعافى المبكّر، و20 مليار دولار للمرحلة الأولى من إعادة الإعمار، وتشمل إنشاء أعمال المرافق والشبكات والمبانى الخدمية وإنشاء وحدات سكنية دائمة واستصلاح 20 ألف فدان من الأراضى الزراعية، وتمتد حتى عام 2027.. بينما يخصص 30 مليار دولار للمرحلة الثانية من إعادة الإعمار، وتشمل إنشاء مناطق صناعية وميناء صيد وميناء بحرى ومطار وتمتد حتى عام 2030.

• • •

لأن نجاح الخطة ومضيها وفقًا للجدول الزمنى المشار إليه، مرهونان بتوفير التمويل المناسب، فقد تضمّنت إنشاء صندوق ائتمانى تحت إشراف دولى، لجمع التعهدات المالية من الدول المانحة ومؤسسات التمويل الدولية لدعم التنفيذ.

إنشاء صندوق ائتمانى لإعادة الإعمار يتطلب خطوات محددة لضمان الشفافية والكفاءة فى إدارة موارده المالية، تبدأ من تحديد الغرض من الصندوق بوضوح، وعدم تداخل أوجه الإنفاق مع صناديق أو مؤسسات أخرى. وفى تلك الحال فإن الغرض من الصندوق المشار إليه ربما يكون: «إعادة الإعمار ودعم التنمية الاقتصادية»، حتى يشتمل على مختلف أوجه الإنفاق المشار إليها فى مراحل تنفيذ الخطة. وهنا يتعيّن توفير إطار قانونى يحدد كيفية إدارة الصندوق، بما فى ذلك القوانين المحلية والدولية التى تحكم عمله. ثم يأتى دور حوكمة الصندوق، من خلال تشكيل مجلس إدارة مستقل، يضم ممثلين عن الجهات المانحة والمنظمات الدولية لضمان الشفافية والانضباط. كذلك يجب أن يتضمّن الصندوق آلية واضحة لتلقّى التعهدات المالية من الدول المانحة والمؤسسات الدولية، مع تحديد طرق صرف الأموال. وأخيرًا، وضع نظام رقابة صارم لضمان استخدام الأموال بشكل فعال وتجنّب تضارب المصالح، مع إصدار تقارير دورية عن التقدم فى مختلف مجالات الإنفاق.

• • •

قبل أن يصطدم الصندوق بتحديات غير محسوبة كتلك التى مرت بها صناديق مشابهة لإعادة الإعمار بعد الصراعات، فليس أقل من دراسة تلك الصناديق وفهم مشكلاتها. من تلك الصناديق التى أدعو رعاة الخطة العربية لإعادة إعمار غزة لدراستها «صندوق الائتمان لإعادة إعمار سوريا» الذى تأسس فى عام 2013 بمشاركة دولية واسعة، بهدف دعم مشروعات الإنعاش والاستقرار فى المناطق المتضررة من الصراعات، بدعم من دول مانحة مثل اليابان وألمانيا والإمارات. وإذا كانت تقديرات تكلفة إعادة الإعمار فى سوريا قد تراوحت بين 226 و388 مليار دولار، فإنها تفوق القدرات الوطنية بكل تأكيد، وتفوق قدرة الدول المانحة على الالتزام بأى جدول زمنى طموح، خاصة فى ظل العقوبات الاقتصادية الدولية التى تعرّضت لها سوريا طوال الفترة منذ تدشين الصندوق وحتى اليوم، والتى أعاقت الوصول إلى التمويل والأسواق العالمية بشكل سلس. التجربة السورية تعكس الكثير من التحديات التى يمكن الاستفادة منها لدى إطلاق صندوق إعادة إعمار وتنمية غزة، خاصة وأن حجم التدمير فى سوريا قد أصاب نحو 40% من المنازل، و50% من المنشآت التعليمية والطية، وشكّلت خسائر البنية التحتية نحو 68% من إجمالى الأضرار.

وإذا أردنا أن نلقى نظرة سريعة على منجزات الصندوق منذ تدشينه، فليس أصدق من انخفاض مؤشر التنمية البشرية بنسبة 16% بين عامى 2010 و2022، بما يعادل خسارة 35 عامًا من التنمية وفقًا لتقديرات البعض.

كذلك تضمّنت جهود إعادة إعمار البوسنة والهرسك بعد الحرب الأهلية إنشاء برامج إعادة إعمار بدعم من البنك الدولى والاتحاد الأوروبى، مع التركيز على الشفافية والتنسيق بين الأطراف المحلية والدولية. وقد تسببت التوترات العرقية والسياسية فى إعاقة التنسيق بين الأطراف المختلفة المشاركة فى جهود إعادة الإعمار، والتى بلغت تكلفتها 5 مليارات دولار فقط، تم تمويل معظمها من الاتحاد الأوروبى والبنك الدولى. لكن وعلى الرغم من الاعتماد التام للبوسنة والهرسك على الدعم الدولى، بما يهدد الاستدامة الاقتصادية، فقد نجحت البرامج فى إعادة بناء أكثر من 300 ألف منزل، بينما ظلّت معدلات البطالة شديدة الارتفاع بعد الحرب (40%)، فى دلالة على أن الجهود التنموية لم تكن متكاملة على النحو المناسب.

من التجارب المهمة أيضًا تجربة «إعادة إعمار لبنان» عقب الحرب الأهلية، والتى شهدت تخصيص موارد كبيرة لإعادة بناء البنية التحتية، بدعم من دول الخليج العربى، مع التركيز على الحوكمة الرشيدة. لكن اعترض تنفيذها العديد من مواطن الضعف المتمثّلة فى: الفساد الإدارى والمالى، وغياب الرؤية الشاملة للتنمية بما أدى إلى سوء تخصيص الموارد. وقد بلغت تكلفة إعادة الإعمار فى لبنان ما بعد الحرب الأهلية حوالى 25 مليار دولار، تم تخصيص 10 مليارات دولار لإعادة تأسيس البنية التحتية، لكن التنفيذ كان بطيئًا وغير متوازن إلى حد بعيد.

• • •

هذه التجارب وغيرها تؤكد أهمية التعاون الدولى والحوكمة لضمان نجاح مثل هذه الصناديق، وعلى ضرورة نفاذ الدولة لأسواق المال، عبر إصدار مختلف أدوات التمويل بغرض توريق بعض الأصول وإعادة تمويل المشروعات على نحو يساعد على استدامة آلية التمويل الأساسية، والتى هى صندوق إعادة الإعمار فى حالة غزة. كذلك تفيد التجارب أهمية التركيز على استدامة التنمية وشمولها، عوضًا عن تحقيق نجاحات سريعة فى مشروعات متفرّقة، مع إيلاء أهمية قصوى لتأهيل العنصر البشرى. كذلك من غير المحتمل نجاح أى خطة تنمية فى ضوء عقوبات دولية أو تضييق دولى وإقليمى على المنطقة المراد إعادة إعمارها.

 

كاتب ومحلل اقتصادى

 

 

مدحت نافع خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل
التعليقات