نشرت جريدة الراى الكويتية مقالًا للكاتبة نادية الخالدى، تتناول فيه أهمية السلام النفسى الذى يحقق التوازن فى حياة الإنسان، فالمرء الذى يحظى بنعيم السلام النفسى لن تهزمه الأحزان والمخاوف.. نعرض من المقال ما يلى:
فى أعماق النفس الإنسانية، حيث تتراقص الأفكار كأمواج البحر، وتتصادم المشاعر كرياح تعصف فى ليلة شتوية، تولد الحاجة إلى السلامة النفسية كضوء خافت وسط ظلام القلق والتوتر. هى تلك الحالة التى تشبه زهرة نمت بين الصخور، رغم قسوة الظروف، تحتفظ بجمالها وتمنح الحياة لونًا مختلفًا. ليست السلامة النفسية غيابًا للمشاعر السلبية، بل هى القدرة على العيش بانسجام معها، دون أن تغرق الروح فى ظلماتها.
الإنسان الذى يحظى بسلامة نفسية يشبه نهرًا يجرى بهدوء، مهما ألقت عليه الحياة صخورها، يلتف حولها، يتقبلها، لكنه لا يسمح لها بأن توقف تدفقه. يتحرّك فى الحياة بثبات، يعى أن العثرات ليست نهاية الطريق، بل محطات تُعيد ترتيب أولوياته، وأن الألم ليس عدوًا، بل معلّم صامت يرسم ملامح النضج على جدران الروح. من يدرك هذا، لا يصبح أسيرًا لأحزان الماضى ولا رهينة لمخاوف المستقبل، بل يسير بخُطى واثقة، متزنًا بين الحلم والواقع، بين الأمل والحذر، بين القلب والعقل.
وقد تتسلل الوحشة إلى النفس حين تخفت الأصوات الداعمة من حولنا، حين يصبح الصدى هو الرفيق الوحيد، فتبدو الحياة كصحراء قاحلة، لكن السلامة النفسية هى تلك الواحة التى يجدها من يبحث عنها بصدق. هى القدرة على الحديث مع الذات دون جلد أو قسوة، دون أن يتحول الفكر إلى محكمة لا تصدر إلا أحكام الإدانة. هى أن يكون الإنسان صديقًا لنفسه قبل أن يطلب الصداقة من الآخرين، أن يكون ملجأه الأول ذاته، لا انتظارًا ليد تمتد إليه كلما اشتدّ به التعب.
أما القلوب التى تعيش بسلام نفسى فتعرف متى تصمت لتسمع صوتها الداخلى، تعرف متى تبتعد لتعيد ترتيب فوضى الأفكار، ومتى تعود أقوى مما كانت. هى قلوب لا تسمح للآخرين بأن يعبثوا بتوازنها، لأن لها جذورًا ضاربة فى الأرض، وأجنحة تعرف كيف تحلّق بعيدًا عن الضوضاء. لا تعنى السلامة النفسية أن يكون المرء سعيدًا طوال الوقت، بل إن يكون قادرًا على احتواء الحزن دون أن يغرق فيه، على مواجهة الخوف دون أن يستسلم له، وعلى تجاوز الخذلان دون أن يفقد ثقته بالحب.
وأخيرًا، منح النفس السلام ليس رفاهية، بل ضرورة لمن أراد أن يحيا حقًا. هو أن يعى الإنسان أن السعادة ليست هدفًا بعيدًا، بل لحظة تُخلق من أبسط التفاصيل، من كوب قهوة فى صباح هادئ، من ابتسامة عابرة، من إحساس عميق بأنك كافٍ كما أنت. السلامة النفسية هى بيت آمن فى داخلك، إن وجدته، فلن تهزّك العواصف مهما اشتدت، ولن يخذلك العالم مهما تغيّر.