يبدو أن أزمة المصطلح وتعريفاته ودلالاته، ما زالت تُشكّل عبئًا ثقيلاً على مسيرة الوعى البشرى والتى تخلصت من الكثير من الأزمات والتحديات، إلا أن أزمة تعريف وتحرير المصطلحات والمفاهيم هى الأكثرًا تعقيدًا وتصادمًا. قبل مدة، شاركت فى برنامج ثقافى مهم، وكان الموضوع حول ضرورة ضبط وتدقيق المصطلحات والتوصيفات الإعلامية للحصول على محتوى جيد، وعلى مدار عدة جلسات ثقافية وإعلامية ونقدية، استمرّت لأيام، تركزت -بل توحدت- النقاشات والخلافات حول ضرورة وحتمية وجود إجابات شافية ووافية للمثقف والأديب والروائى والشاعر والإعلامى. أكاديميون ونقاد ومثقفون وأدباء وإعلاميون من مختلف الثقافات والخلفيات والمستويات، افتعلوا حربًا شعواء لا منتصر فيها ولا طائل منها، فقط استدعاء التعريفات والمصطلحات التقليدية التى صُكّت منذ عقود طويلة، أما قيمة ومستوى ما يُقدم من محتوى، فلم يهتم به أحد.
وكلما دارت رحى تلك المعارك الصغيرة الهامشية حول التعريفات والمفاهيم ومدى فاعليتها ومناسبتها للعصر الحديث، يزداد اللبس وتتوه البوصلة، بل ويبدو الأمر كما لو كان دفاعًا عن عقيدة راسخة أو حماية لثابت لا يُمكن زحزحته. خلافات وصراعات لا تتقدم خطوة واحدة حول التعريف والمصطلح، وتُشيطن كل من يُحاول أن يصنع اتجاهًا فكريًا جديدًا أو يُقدم أنموذجًا ثقافيًا عصريًا. المشكلة ليست فى غياب أو تغييب التعريفات الدقيقة للكثير من الظواهر والمظاهر التى تُشكّل وتُكوّن تفصيل حياتنا الصغيرة والكبيرة، المشكلة ليست فى ذلك، ولكنها تكمن فى تلك المحاولات المقصودة -ولن أقول الخبيثة- التى تتلاعب بحدود ومطاطية المفهوم والمصطلح، وأخذ المسافة بعينها أو الحدود المتباينة والمتأرجحة لكل قيمة أو ظاهرة. مثلاً، هناك الكثير الكثير من التعريفات والتوصيفات للإرهاب والحرية والغرب والأخلاق وغيرها الكثير الكثير، والتى يمكن أن تحمل عدة وجوه ومعانٍ وآثار، كل ذلك يحدث حينما تتنوع وتتعدد أدوات ومتبنيات تعريفاتها وتوصيفاتها. فلكل قيمة أو ظاهرة عدة تعريفات، وبحسب الأهداف والغايات يختار البعض منا ما يُناسب أجندته من تعريفات وتوصيفات.
نستغرق وقتنا ونستنزف جهدنا فى إثبات تعريفات وتوصيفات حول من هو الإعلامى أو المثقف أو الأديب، ولكننا لا نخطو للأمام ونُناقش المحتوى الذى يُقدمه ذلك الإعلامى أو ذلك المثقف أو ذلك الأديب.
حروب صغيرة وساذجة لا تُحرر فكرة ولا تُحقق نصرًا، تتصارع حول العنوان فقط، تمامًا كما لو كانت زوبعة فى فنجان.
فاضل العمانى
جريدة الرياض السعودية