نشرت جريدة «الراى» الكويتية مقالا للكاتب مبارك الهزاع، يوضح فيه صفات الشخصية النرجسية، مشبها هذه الشخصية بالشيطان بسبب غروره الذى دفعه إلى رفض السجود لآدم، عليه السلام. ويحذر الكاتب من أن النرجسية صفة تدمر صاحبها... نعرض من المقال ما يلى:
هناك فى زوايا النفس البشرية ظلال خادعة، توهِم الإنسان بأنه محور الكون، وأن الآخرين مجرد كواكب تدور فى فلكه. هذه الظلال تسمى النرجسية، وهى ليست مجرد صفة نفسية، بل هى انعكاس لجوهر أكثر ظلاما، لروح تنبض بالكبر والأنانية، روح تحمل ملامح الشيطان نفسه.
منذ الأزل، كان الشيطان هو النموذج الأول للنرجسية المطلقة، حين وقف فى كبريائه رافضا السجود لآدم، عليه السلام، معلنا تفوّقه، مستهينا بالحكمة الإلهية. كان يرى نفسه الأحق، الأجدر، الأعلى شأنا، ولم يكن يرى فى الآخرين سوى كائنات أدنى منه، وهكذا، يسير النرجسى فى دربه، مستنسِخا تلك الفكرة الشيطانية، غير مدركٍ أنه كلما ازداد غروره، اقترب من الهاوية.
النَّرجسى لا يعترف بالخطأ، لأن اعترافه يعنى هدم الصورة الزائفة التى رسمها لنفسه. لا يرى إلا نجاحاته، حتى وإن كانت على حساب الآخرين، يتلاعب بالمشاعر، ويقتات على إعجاب الناس به، وحين لا يجد من يصفق له، يخلق الوهم بنفسه، ويعيش فيه. تماما كما يوسوس الشيطان للإنسان، يوهمه بأنه الأعلى والأحق، ثم يتركه ليواجه سقوطه المحتوم.
لكن النرجسى لا يدرك أنه، مهما ارتفع، فإن سقوطه قادم. فالتاريخ ملىء بمن ظنوا أنهم فوق الجميع، ثم لم يبقَ منهم سوى درسٍ قاسٍ فى كتب العِبرة. وكما طُرد الشيطان من رحمة الله بسبب غروره، فإن النَّرجسى يُطرد من قلوب الناس، ويجد نفسه فى نهاية المطاف وحيدا، تحيط به مراياه المحطّمة، وتبتلعه الظلمة التى صنعها بيديه.
فاحذر أن تكون ممن يخدعهم بريق الأنا، فالنَّرجسية ليست إلا بابا من أبواب الشيطان، يفتحه للغافلين، ليقودهم حيث لا عودة.