الحرب الاقتصادية.. والخسران المضمون - قضايا اقتصادية - بوابة الشروق
الخميس 6 فبراير 2025 10:47 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الحرب الاقتصادية.. والخسران المضمون

نشر فى : الخميس 6 فبراير 2025 - 6:50 م | آخر تحديث : الخميس 6 فبراير 2025 - 6:50 م

أعلن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، الإثنين الماضى، على هامش قمة الاتحاد الأوروبى فى بروكسل، أن الدول الأوروبية جاهزة للرد فى حال نفذ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تهديداته بفرض رسوم جمركية إضافية على السلع الأوروبية.
وكان ترامب أعلن أن أوروبا «أخذت كل شىء من عند الولايات المتحدة ولم تقدم مقابل ذلك أى شىء»، وخصوصا فى مستوى التبادل التجارى.
ويذكر أن ميزان التبادل التجارى بين الولايات المتحدة وحليفها التقليدى مختل لصالح القارة العجوز أوروبا.
وتأتى هذه التطورات فى سياق إجراءات أخرى بترفيع الرسوم الجمركية اتخذها ترامب مع التنفيذ الفورى ضد كندا والمكسيك والصين، وهى إجراءات رفضتها الأطراف المعنية، ولقيت استهجانا وإدانة من الاتحاد الأوروبى.
وندد الاتحاد بفرض واشنطن رسوما جمركية على وارداتها من كندا والمكسيك والصين، ونبهت المفوضية الأوروبية بأن الرسوم الجمركية «تحدث اضطرابات اقتصادية غير ضرورية وتزيد من التضخم، وهى ضارة بجميع الأطراف».
مشددا على «أن الرد الأوروبى سيكون حازما» فى حال مُضىّ الرئيس الأمريكى قدما فى تنفيذ تهديداته، لكن الاتحاد الأوروبى ذكر فى المقابل أنه «يأمل فى التفاوض لتجنب أى نزاع تجارى مع الولايات المتحدة».
ويمثل حجم التبادل بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى 30 فى المئة من التجارة العالمية، وهو ما يجعل من أى احتمال لنشوب حرب تجارية بين الطرفين مقدمة لأزمات اقتصادية مؤكدة قد لا تستثنى أى طرف، ما يدعو إلى الاعتقاد بأن تهديدات ترامب ضد الأوروبيين هى ورقة ضغط لا غير من أجل حملهم على تحقيق بعض التوازن فى المبادلات التجارية بين الطرفين، ومن جهة ثانية رفع مستوى صادرات السيارات الأمريكية إلى أوروبا وكذلك المنتج الصناعى الحربى.
يذكر أنها ليست المرة الأولى التى يسعى فيها ترامب لفرض رسوم جمركية، إذ قام بذلك فى ولايته الرئاسية الأولى، حيث فرض سنة 2018 رسوما جمركية على واردات الصلب والألومنيوم الأوروبية، ما دفع الاتحاد الأوروبى إلى الرد بالمثل وأخضع العديد من السلع الواردة من الولايات المتحدة إلى رسوم جمركية إضافية.
وتكشف النزاعات بين الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة أنه، رغم التداخل الكبير فى اقتصاديات الطرفين، إلا أنه لا بديل عن الاعتراف بالاختلاف الواضح بين النماذج الاقتصادية والمجتمعية، وحتى القيمية بين القارة «العجوز» والعالم «الجديد».
وبدا أن المجتمع الأمريكى فك الارتباط نهائيا مع أصوله الأوروبية، إن كان ذلك على مستوى القواعد الأخلاقية التى تحكم هذا المجتمع الآن، أو فى علاقة بالقيم العليا عموماً، وبالأخص المسألة الديمقراطية، إذ ما انفك يتضح أن المحرك الأساسى وربما الوحيد فى السلوك والسياسة الأمريكيتين، وخصوصا مع ترامب، هو المصلحة ولا شىء غير المصلحة.
وفى المقابل أصبح السلوك والسياسة الأوروبيان يلامسان «السذاجة» لجهة إصرار هذه الدول الأوروبية على الاعتقاد بأن الديمقراطية هى عماد العالم الغربى، وهى المهمة الأساسية التى تجمع مختلف دوله ومكوناته، وهى لذلك تعول على بديهية تقادمت وأصبحت من الماضى، فيما يبدو ويتأكد، وهى أن الحروب لا تنشب بين الدول الديمقراطية.
وإذ تملك الولايات المتحدة ناصية قرارها عسكريا وتسعى إلى توظيف ذلك الضغط على الجميع من أجل تحقيق المنافع الاقتصادية بما يحقق توازن نموذجها الاقتصادى، فإن الدول الأوروبية لا تزال فى حاجة إلى الحماية العسكرية الأمريكية، وهو ما تؤمّنه بنسبة كبيرة عن طريق حلف الناتو ذات الكلفة العالية على المواطن الأمريكى، وهو الأمر الذى يسعى دونالد ترامب إلى مراجعته من خلال حمل الدول الأوروبية على الاستثمار أكثر فى المجال الحربى.
وتؤمّن الولايات المتحدة الأمريكية 55 فى المئة من الواردات الأوروبية فى السلاح، وهى نسبة تصل إلى 99 فى المئة من واردات الأسلحة الهولندية، مقابل 6.4 و4.6 فقط هى واردات الدول الأوروبية من ألمانيا وفرنسا، فضلاً عن أنه باستثناء بريطانيا وفرنسا فإن مظلة الحماية النووية الأمريكية تشمل باقى الدول الأوروبية.
إن مجمل هذه المعطيات يبرر القول إن البديهيات التقليدية تتساقط، وإن أوروبا قد تكون الحلقة الأضعف فى أى نزاع تجارى مع الولايات المتحدة الأمريكية، وإن الجميع يدخل فى بوتقة الخسارة إذا كانت الحرب التجارية أو غيرها شاملة، وإذا كانت الحربان العالميتان الأولى والثانية بوقع السلاح المدمر فإن حرباً ثالثة لا قدر الله قد تكون تجارية ومقدمة لدمار شامل.

الهاشمى نويرة
جريدة البيان الإماراتية

قضايا اقتصادية القضايا الاقتصادية العالمية والدولية والمحلية
التعليقات