فى خطاب مفعم بالغطرسة والغرور طالب نتنياهو فى خطاب ألقاه يوم الأحد الماضى بجعل جنوب سوريا منزوع السلاح بالكامل، مؤكدًا أن تل أبيب لن تسمح لقوات الإدارة الجديدة أو الجيش السورى الجديد بدخول المنطقة جنوب دمشق، وطالب بنزع السلاح تمامًا من جنوب سوريا فى محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء.
بدأت تلك الكارثة فى ديسمبر الماضى عندما قامت قوات العدو الإسرائيلى باقتحام المنطقة العازلة المتاخمة للجزء السورى من مرتفعات الجولان والاستيلاء عليها، ومواصلة توسعها لتستولى على عشرات القرى فى الجولان والقنيطرة ودرعا، محتلة بذلك أكثر من 1000 كم2 من الأراضى السورية ذات الأهمية الاستراتيجية البالغة.
السيطرة على الجولان وجبل الشيخ تحقق لإسرائيل أفضلية استراتيجية كبرى للاستطلاع والرصد الرادارى والنيرانى على محافظات دمشق والقنيطرة ودرعا، وتمركز القوات الإسرائيلية على مسافة 25 كم من العاصمة دمشق نفسها والتى تصبح بذلك تحت السيطرة النيرانية الإسرائيلية، وباعتبار أن جبل الشيخ هو المنبع الرئيسى لنهر الأردن فإن إسرائيل بذلك تكون قد أحكمت قبضتها على منابع نهر الأردن، لتحقق خطوة كبرى فى استراتيجيتها المائية، والتى تتضمن أيضًا التحكم فى منابع نهر اليرموك والسيطرة عليها.
تلك الكارثة تتضمن أبعادًا خطيرة، من حيث توقيتها وتنفيذها وتداعياتها وآثارها، فرئيس وزراء الكيان الصهيونى من جهته أعلن أن مرتفعات الجولان ستظل فى قبضة إسرائيل إلى الأبد، كما أن حكومته سارعت على الفور للإعلان عن خططها لتوسيع أعداد ومساحة مستعمراتها فى الجولان السورى المحتل، ومضاعفة عدد سكانها.
• • •
الكارثة الراهنة فى مرتفعات الجولان السورية، تتضمن أيضًا احتلال قوات العدو الإسرائيلى لعشرات القرى السورية فى ريف الجولان والقنيطرة ودرعا، وقيامها بتوغلات وحملات تفتيش ومداهمة وترويع للأهالى، الذين تتصاعد مخاوفهم يومًا بعد يوم من قيام العدو الإسرائيلى بترحيلهم وتهجيرهم من منازلهم.
وفى خط موازٍ يقوم العدو الإسرائيلى بإحضار مئات الكتل الأسمنتية مسبقة التجهيز لبناء الدشم والتحصينات فى العديد من المواقع العسكرية الاستيطانية فى القرى السورية التى احتلها أخيرًا، مع تعزيز قوتها بالمزيد من الجنود والمعدات والأسلحة، بما يشير إلى تنفيذ قوات العدو الإسرائيلى مخطط احتلال مستمر لتلك المناطق وإبقائها فى قبضته.
من جهتها قامت قوات العدو الإسرائيلى بإنذار سكان القرى السورية المحتلة بأن اقترابهم من الخط الفاصل مع الجنود والقوات الإسرائيلية سيُردّ عليه بإطلاق النار بشكل مباشر، وسيكون مصير من يقترب منهم القتل أو الاعتقال والنقل إلى السجون الإسرائيلية، مع فرض حظر التجول منذ الغروب وحتى السادسة صباحا، مع مصادرتها لمساحات كبيرة من الأراضى الزراعية وتحويلها إلى ثكنات ومواقع عسكرية محاطة ومحصنة، وتعبيد الطرق فيما بينها لتسهيل تحرك القوات والجنود.
لم يكن وادى اليرموك الاستراتيجى حيث منابع مياه الأنهار السورية والأردنية بعيدًا عن المخطط الإسرائيلى، فقد حولت قوات الاحتلال وادى اليرموك إلى منطقة عسكرية محظورة، وأخطرت السكان بمنع دخولهم إلى الوادى، وحتى المزارعين الذين حاولوا الذهاب إلى حقولهم وبساتينهم تم إطلاق النيران عليهم لمنعهم من التوجه إليها.
• • •
الكارثة التى حدثت، وتحدث اليوم، فى الجولان هى الصورة الجولانية المعاصرة لكارثة 5 يونيو 1967 بكل ما تعنيه من تداعيات ومخاطر وأبعاد، بل إن الوضع اليوم يبدو أسوأ كثيرًا مما كان عليه فى عام 1967، فالدولة السورية اليوم قد فقدت مقوماتها، والموجودون فى سدة الحكم فى دمشق اليوم هم فى موقف لا يحسدون عليه، بل إن سوريا بأجمعها اليوم تقف فى موقف صعب وعسير ربما كان الأكثر صعوبة وتعقيدًا فى تاريخها.
الأراضى السورية شرق نهر الفرات ترزح تحت سيطرة الميليشيات الكردية التى يبلغ تعدادها 80 ألف جندى والتى تدعمها الولايات المتحدة بكل أنواع الذخائر والعتاد والسلاح، وترفض الانضواء تحت سيادة الدولة السورية، والقوات الأمريكية تتمركز فى قاعدة التنف مسيطرة على البادية السورية بالكامل مع العراق والأردن، وروسيا ما زالت قواتها فى قاعدة حميميم قرب اللاذقية.
الكيان الصهيونى، وبمنتهى الانتهازية والغدر، استغل الأحداث الأخيرة فى سوريا وقام بتدمير كامل للجيش السورى ومواقعه ومخازنه وهى كارثة مروعة اكتملت بقيام السلطة الحالية فى دمشق باتخاذ قرار خطير بحل الجيش العربى السورى وتسريح ضباطه وجنوده بمن فيهم من قيادات وخبرات وكفاءات عسكرية وإدارية وتنظيمية.
أما فيما يتعلق بالجولان السورى المحتل فقد طالبت السلطة الحالية فى دمشق إسرائيل بالعودة إلى اتفاق فض الاشتباك الموقّع عام 1974، وأعلنت على لسان اثنين من مسئوليها أن سوريا مستعدّة للتعاون الكامل مع الأمم المتحدة وتغطية مواقعها على الحدود حسب اتفاق 1974 بشرط انسحاب القوات الإسرائيلية، وهو بالطبع ما لن تقوم به إسرائيل، والتى ردت على ذلك بإعلان خططها لإقامة مستعمرات جديدة فى الجولان، وعدد من المنتجعات السياحية الشتوية للتزحلق على الثلوج فى جبل الشيخ.
• • •
الوضع الكارثى فى الجولان اليوم يفرض اتخاذ تدابير وإجراءات مضادة لمواجهة توسع الاحتلال الإسرائيلى فى الجولان ومواجهة خططه الاستيطانية، وإعادة الوضع على الأقل إلى ما كان عليه.
وأى كان ما يدعيه مسئولو العدو الإسرائيلى وإعلامه الموجه من أن ما يحدث هو تدابير مؤقتة لمواجهة تسلل المسلحين، أو أنه إجراء لحين التوصل إلى ترتيب يضمن أمن إسرائيل، أو أن ذلك يتم لاتخاذه فيما بعد كورقة تفاوض بين إسرائيل والسلطة الجديدة فى سوريا، أو أى ذرائع ومبررات، هذه جميعها ليست إلا لتخفيف الصدمة على العرب والسوريين وكسب الوقت لتثبيت الاحتلال وترسيخه.
اليوم خسارة هضبة الجولان الاستراتيجية بالكامل بهذا الشكل المخزى والمريع هى خسارة كبرى للعرب جميعًا وليس لسوريا فقط، لذلك فالأمل كل الأمل أن يكون الجولان السورى المحتل على جدول أعمال اجتماع القمة العربية، يوم 4 مارس، وأن يكون الانسحاب الإسرائيلى منه مطلبًا رئيسيًا وشرطًا وجوبيًا لازمًا لا جدال بشأنه لأى اتفاق أو ترتيبات حالية أو مستقبلية.
الأمل كبير أيضًا أن تقوم حركة مقاومة وطنية سورية فى أسرع وقت للتصدى لهذا الاحتلال ومقاومته، وأن تجعل السلطة الجديدة فى دمشق من تلك القضية قضيتها المركزية، ولعلها فرصة كبرى لتجميع الشعب السورى على هدف واحد هو تحرير الجولان من رجس العدو الصهيونى، وهو هدف يرقى فوق أى هدف لكل سورى وعربى شريف.