التاريخ الذى نعــلمه لأجيالنا.. تحقيق المعادلة الصعبة - أيمن النحراوى - بوابة الشروق
الجمعة 10 يناير 2025 5:48 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التاريخ الذى نعــلمه لأجيالنا.. تحقيق المعادلة الصعبة

نشر فى : الخميس 9 يناير 2025 - 8:20 م | آخر تحديث : الخميس 9 يناير 2025 - 8:20 م

تخرج أجيالنا إلى هذه الحياة لتجد من حولها عالما هائلا من الأحداث والتطورات المتلاحقة يمتد من التقدم التكنولوجى الهائل فى مجالات الطاقة والليزر والإلكترونيات والذكاء الصناعى، إلى المنافسة الاقتصادية الضارية بين الشركات العملاقة والدول الكبرى، ثم إلى الصراعات السياسية الدولية.
فى ظل هذه الحقيقة يجب أن نطرح سؤالا هاما، وهو كيف سينظر أبناؤنا إلى هذا العالم ويستوعبون أحداثه ومتغيراته؟ وكيف سنهيئهم لعالم اليوم والغــد والأعوام القادمة؟
والسؤال بصيغة أخرى عندما تنشأ أجيالنا عبر مراحل حياتها العمرية وحتى بداية التحاقها بالجامعة، وتقرأ وتشاهد على القنوات الفضائية أو على وسائل التواصل الاجتماعى الأخبار المتلاحقة عن التقدم التكنولوجى الهائل فى العالم والذى تقوده الولايات المتحدة والصين واليابان وكوريا الجنوبية وأوروبا، والذى وصل إلى مستويات بالغة التعقيد والتقدم من التطبيقات العلمية فى كافة المجالات.
أو ينمى إلى علمها أخبار الولايات المتحدة التى تتربع على عرش القوة العالمية، وعن قوتها الاقتصادية والعسكرية الهائلة، فماذا يمكن أن يتبادر إلى ذهن أجيالنا عن هذه الدولة؟
فى حالة أخرى، ماذا لو كان الأمر يتعلق بأخبار عن التغول والجرائم الإسرائيلية اليومية فى فلسطين ولبنان وسوريا، ووجود الكيان الصهيونى نفسه على الأراضى العربية، ماذا يمكن أن يتبادر إلى ذهن أجيالنا؟
• • •
نحن أمام عدة احتمالات، الأول أن يتجاهل الناشئ أو الناشئة الأمر باعتباره لا يعنيه ويخرج عن محل اهتماماته، والاحتمال الثانى أن يشاهد الخبر دون أن يهتم بمعناه ومحتواه وفهم جذوره، والاحتمال الثالث هو أن يحاول أن يفكر ويبحث فى الأمر وعادة ما سيتجه للإنترنت التى تذخر بكل أنواع المعلومات الصحيحة والكاذبة والموجهة.
إذن فالمسألة تتضمن درجة عالية من الخطورة على أجيالنا، فالتجاهل واللامبالاة وعدم الفهم له مخاطره، كما أن عدم وجود قاعدة راسخة من المعارف والمعلومات التاريخية الصحيحة والدقيقة والواضحة لارتكاز أجيالنا عليها لفهم أحداث العالم ومتغيراته وتطوراته هو أيضا له مخاطره.
هنا يبرز دور التاريخ كعلم يدرسه أبناؤنا وبناتنا فى تلك المراحل المبكرة من حياتهم وتكوينهم الفكرى والعقلى ليكون لهم بمثابة الأساس والقاعدة لفهم العالم من حولهم، والهدف الأسمى المتفق عليه من دراسة التاريخ هو استيعاب أحداث الماضى لفهم الحاضر واستشراف المستقبل، وصياغة الرؤى المستقبلية والتخطيط لأنفسهم وللمجتمع والوطن للأعوام والعقود القادمة.
• • •
ما أثار هذا الأمر هو ما اطلعت عليه من محتوى مقررات مادة التاريخ فى المرحلة الثانوية تحديدا والتى تتضمن فى الصف الأول موضوعات حضارة مصر القديمة والعراق وفينيقيا واليونان والرومان، أما الصف الثانى فيتضمن تاريخ شبه الجزيرة العربية والفتوحات الإسلامية ثم مصر منذ الفتح وحتى المماليك وإسهامات الحضارة الإسلامية، أما الصف الثالث فيتناول تاريخ مصر منذ الحملة الفرنسية وحتى العقد الماضى.
التساؤل هنا لا يتعلق بأسلوب العرض والصياغة والاعتبارات التاريخية والتربوية المختلفة، فقد تولاها صفوة من كبار الأساتذة والخبراء ولهم كل الاحترام والتقدير، لكن التساؤل هنا إذا كان أبناؤنا وبناتنا يدرسون هذا المحتوى فى المرحلة الثانوية، فماذا كانوا يدرسون فى المرحلتين السابقتين الابتدائية والإعدادية أى طوال 9 سنوات كاملة من حياتهم؟
هل كانوا يدرسون ذات المحتوى بأسلوب أبسط يتناسب مع أعمارهم؟ وإن كان الأمر كذلك ففى المسألة إذن تكرار لذات المحتوى تتضمن ازدواجا لا لزوم له، وكان من الأفضل منطقيا أن تخصص تلك السنوات التسع الأولى من التعليم لهذا المحتوى نفسه مع تبسيط الأسلوب وفق أعمار الطلاب والطالبات فى كل مرحلة.
أما المرحلة الثانوية والتى تعد عمريا من أخطر وأهم المراحل فى حياة أبنائنا وبناتنا فكان الأوقع هو تضمين مادة التاريخ لنطاق معرفى ومعلوماتى أشمل وأكثر اتساعا وعمقا وذى طبيعة عالمية من حيث المحتوى ليخدم ما ستواجهه الأجيال الصاعدة من مسائل وقضايا فى هذا العالم المركب شديد التعقيد والخطورة.
وبمعنى آخر، هناك عشرات من الموضوعات التاريخية التى يجدر تقديمها لأجيالنا فى المرحلة الثانوية يمكن أن تجعلهم أكثر فهما للعالم من حولهم، وتمنحهم رؤية صحيحة للأمور من منظور السياسة والاقتصاد والعلم التكنولوجى والتقدم الحضارى وازدهار الدول والمجتمعات، ليحيطوا بها علما قبل أن يتجه كل منهم إلى تخصصه الدقيق ما بين طبيب أو مهندس أو محاسب أو قانونى أو أى من التخصصات الأخرى.
على سبيل المثال، أليس من المهم تعريف أجيالنا فى تلك المرحلة بإحاطة مركزة عن تاريخ الصين المعاصر وكيف تحولت إلى قوة اقتصادية كبرى بعد أن كانت دولة نامية عادية؟ وذات الأمر نفسه عن تجربة النهضة اليابانية وأسباب نهضتها وعوامل نجاحها؟ والتجارب متعددة وجديرة بالدراسة عن دول لها تجارب اقتصادية تاريخية مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا.
كذلك الأمر عن الشركات الكبرى التى توجه وتهيمن على اقتصاد العالم، وما تنتجه من أجهزة وآلات ومعدات تكنولوجية تستخدمها أجيالنا فى حياتهم اليومية والعملية، وينبغى لها أن تعرف إطار تطور دولها وأهم الأحداث الكبرى مثل الثورة الصناعية الأولى وتاريخ الصراع على الموارد الاقتصادية وتاريخ الاستعمار الذى استمر يهيمن على العالم ويوجه مقدراته لصالحه قرابة الستة قرون من عمر الزمان، حتى تاريخ القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا يجب إحاطة أجيالنا به بصورة مركزة تربط الماضى بالحاضر.
• • •
الموضوعات التاريخية التى تدرس لأجيالنا يجب أن يرتبط اختيارها بمصر وقضاياها السياسية والاقتصادية المعاصرة، فيتعين على جميع طلاب وطالبات مصر بنهاية المرحلة الثانوية أن يكون لديهم إحاطة شاملة ودقيقة بجذور وتطورات الصراع العربى الإسرائيلى، وبالعلاقات المصرية العربية والأفريقية وتاريخها العتيد، وتاريخ نهر النيل فى مصر عبر كل المراحل والعصور إلى اليوم، مع شرح للأوضاع الراهنة عند منابع النيل فهى مسألة حيوية واستراتيجية، حتى لو احتج البعض بأن تلك الموضوعات تفوق قدراتهم على الاستيعاب. فى كل ما سبق، تحصين لعقول أجيالنا ضد أى محاولة خبيثة قد تستهدفها، وإضافة للأمن القومى المصرى بحماية الأجيال القادمة من المخاطر المعرفية والمعلوماتية الموجهة، فتأسيس القاعدة المعرفية التاريخية فى عقول أجيالنا وربطها بالأحداث والقضايا السياسية والاقتصادية والتكنولوجية المعاصرة، سيمكن هذه الأجيال من الوقوف على أرض صلبة ومعرفة راسخة تجعلها قادرة على ربط الماضى بالحاضر بالمستقبل، والتقدم نحو الغــد بثقة وفهم عميق للعالم من حولها.

أيمن النحراوى  خبير اقتصاد النقل والتجارة الدولية واللوجيستيات
التعليقات