غادر الرئيس الأمريكى جو بايدن وأركان إدارته البيت الأبيض وفى مقدمتهم وزير خارجيته أنتونى بلينكن تلاحقهم دماء أرواح أكثر من 46 ألف شهيد فلسطينى سقطوا فى قطاع غزة بسلاح أمريكى، ودعم غير مسبوق من واشنطن للحكومة الإسرائيلية بقيادة السفاح بنيامين نتيناهو وعصابته من اليمين المتطرف.
وقبيل أن يترك منصبه كوزير للخارجية، ويتوارى عن العيون، وقف بلينكن فى مؤتمر صحفى أخير ليتبجح بإنجازات إدارة بايدن بقتل آلاف الفلسطينيين، والمشاركة بشكل فاضح فى الإبادة الجماعية التى ارتكبها الجيش الإسرائيلى فى قطاع غزة، على مدى 471 يوما من العدوان.
نتذكر جميعا كيف سارع بلينكن بالطيران إلى تل أبيب فى الثانى عشر من أكتوبر 2023، أى بعد خمسة أيام من بدء العدوان على غزة، ليظهر دعمه للعصابة الصهيونية الحاكمة فى إسرائيل، ليس باعتباره وزيرا للخارجية الأمريكية بل بكونه يهوديا «صهيونيا»، ويومها شارك بلينكن فى اجتماع لمجلس «الحرب» الإسرائيلى على غزة، كجنرال عسكرى.
انحياز بلينكن السافر إلى تل أبيب فى سفك دماء الفلسطينيين فى غزة، ترجمه فى جولات مكوكية إلى المنطقة كان هدفها غير المعلن هو إفساح المجال أمام آلة القتل الصهيونية لحصد المزيد من الأرواح، ولضمان نجاح إسرائيل فى تحقيق أهدافها المعلنة فى تهجير الفلسطينيين، والقضاء على حركة حماس، وتحرير «الرهائن» بقوة السلاح، وهى الأهداف التى تحطمت على صخرة صمود الشعب الفلسطينى.
لعب بلينكن دورا كبيرا فى تشجيع الإسرائيليين على تحقيق أهدافهم من العدوان على غزة، لكن الجيش الإسرائيلى فشل فى إنجاز المهمة على الرغم من الدعم الأمريكى غير المحدود، والدمار الهائل للقطاع، وتشريد أهله، ولعل مشهد تبادل الأسرى عقب دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ الأحد الماضى خير شاهد ودليل.
فى كل مرة كان الجيش الإسرائيلى يواجه صعوبات فى تحقيق أهدافه بالقضاء على حماس واسترداد الرهائن بالقوة، كان بلينكن يلح على العصابة الصهيونية الحاكمة فى تل أبيب لإنجاز شىء ملموس، ولم يكن يتوانى، طوال مدة العدوان، عن حض الجيش الإسرائيلى على إيقاع المزيد من الضحايا الأبرياء فى غزة.
مارس بلينكن ضغوطا هائلة لجلب أى نصر يمكن أن يعيد للجيش الإسرائيلى هيبته التى تمرغت فى الوحل يوم 7 أكتوبر 2023، ولعلنا نتذكر كلماته التى وجهها، ذات يوم من أيام العدوان، إلى فريق الحرب الإسرائيلى التى قالها نصا: «أنتم تعرفون ولا شك أننا وفرنا لكم ولا نزال غطاء سياسيا دوليا كبيرا، لكن الوقت يمر والعالم يشاهد صور أطفال غزة، وينقلب ضدكم وضدنا».
صور أطفال غزة الذين سالت دماؤهم كانت بلا شك فى ذهن الذين قاطعوا بلينكن فى مؤتمره الصحفى الأخير يوم الخميس الماضى، وبينهم الصحفى سام حسينى الذى هتف فى وجه وزير الخارجية الأمريكى السابق «مجرم! مكانك لاهاى»، قاصدا محاكمته فى المحكمة الجنائية الدولية، قبل أن يقوده الأمن بالقوة إلى خارج قاعة المؤتمر، بينما وقف بلينكن زائغ العينين.
هتاف حسينى ضد بلينكن كان تكرارا لاحتجاج مماثل وقع فى 12 ديسمبر الماضى عندما كان يتحدث المتفاخر بيهوديته خلال جلسة فى مجلس النواب، حيث قاطعه محتج بهتافات منها : «وزير الإبادة الجماعية» و«جزار غزة»، وبعد دقائق على إخراج الأمن المحتج من القاعة، واجه الوزير الأمريكى صيحات غضب جديدة، عن «بلينكن الدموى» وقاتل الأطفال.
ترك بلينكن وزارة الخارجية الأمريكية، بحصاد مر، وربما يجلس الآن فى الفناء الخلفى لمنزله يتأمل مسيرته التى لابد أن تتضمن صفحة سوداء لن تمحى من سجله الملطخ بعار قتل الأطفال، سعيا وراء إنجاز أهداف اعترف الإسرائيليون أنفسهم بالفشل فى تحقيقها، وليس آخرهم وزير خارجية نتيناهو، جدعون ساعر، الذى قال إن إسرائيل «فشلت فى تفكيك القدرات العسكرية والحكومية لحركة حماس»، وهو هدف لو تعلمون عظيم!