مخيم جباليا الذي اختفى - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الثلاثاء 21 يناير 2025 12:21 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

مخيم جباليا الذي اختفى

نشر فى : الإثنين 20 يناير 2025 - 6:15 م | آخر تحديث : الإثنين 20 يناير 2025 - 6:15 م

يوم الأحد الماضى بثت وكالة الأنباء الفرنسية «أ.ف.ب» صورة مكبرة من مخيم جباليا فى شمال قطاع غزة توضح أن العدوان الإسرائيلى سوى المخيم بالأرض.

 ما كان مبانى وعمارات وبيوتا صار مجرد ركام وبينه ممر أو طرقة أو درب فيما كان يعرف سابقا بأنه شارع، يسير فيه بعض أهالى المخيم.

مواطنة فلسطينية من سكان القطاع تدعى آمال العسكرى عادت إلى المخيم بحثا عن بيتها، لكنها لم تجده، والأكثر مأساوية أنها حتى لم تعرف مكانه، لأن حجم الدمار مهول، هى تحدثت لصحيفة «الشرق الأوسط» وقالت: «ما بقى لنا شى، حياتنا ومستقبلنا وعمرنا، دمروا بيوتنا ومستقبل أولادنا، جئت إلى جباليا على أمل أن أجد شيئا من رائحة بيتى من ملابس وأثاث، لكن ما وجدنا شى».

المواطن محمود السحار كان يحلم بأن يبقى بيته كما هو لأنه شاهد صورا بثتها إسرائيل للمنطقة قبل أسابيع تظهر أن البيت لا يزال موجودا، لكنه حينما عاد لم يجده. يقول بنبرة حزن: «بنيت بيتى حجرا حجرا حتى أضمن مستقبل أسرتى المكونة من 19 فردا».

قوات الاحتلال الإسرائيلى دمرت خلال الأسابيع الأخيرة بشكل ممنهج غالبية مبانى شمال قطاع غزة خصوصا مخيم جباليا حتى يصل سكان القطاع إلى الحالة التى وصلت إليها آمال والسحار، أى عدم القدرة على الاستمرار فى البقاء فى هذه المنطقة وبالتالى البحث عن مكان آخر سواء فى بقية مناطق القطاع جنوبا أو الهجرة إلى خارج القطاع تماما.

الإجرام الإسرائيلى اتضح أنه بلا حدود ولم يكتفوا بالإبادة الجماعية لسكان القطاع حيث قتلوا 47 ألفا وأصابوا 110 آلاف، لكنهم دمروا 65٪ من مبانى ومنشآت ومؤسسات القطاع.

 وكان لافتا للنظر تقرير صحفى إسرائيلى يقول إن أحد ضباط الجيش الإسرائيلى أحضر عددا كبيرا من أفراد أسرته وأصدقائه المدنيين لهدم منظم للمبانى فى شمال قطاع غزة.

فى نفس المنطقة كان جنود هذا الجيش يقتلون أى شخص مدنى يفكر فى العودة، وإذا حاول أى شخص آخر التقدم لسحب الجثة يتم إطلاق النار عليه أيضا، وتترك الجثث لتنهشها الكلاب.

حدث هذا النموذج وغيره تحت مسمع ومرأى من هذا الجيش الذى يقول عن نفسه إنه «أفضل جيش أخلاقى على مستوى العالم»!

الاحتلال تعمد تدمير كل القطاع ليجعل من عودة الحياة الطبيعية أمرا بالغ الصعوبة، وبالتالى فإن كثيرا من أهالى شمال القطاع تلقوا نصائح من أقاربهم بعدم العودة لبيوتهم غير الموجودة، حتى يمكن البحث عن حلول لهذه المشكلة الصعبة جدا.

والنتيجة هى أن حوالى مليون نازح من سكان شمال القطاع موجودون الآن فى خيام بمناطق متفرقة.

التقديرات الدولية تقول إن معظم سكان القطاع البالغ 2٫4 مليون نسمة نزحوا مرة واحدة على الأقل إلى أنحاء أخرى داخل القطاع.

التقديرات أن عملية إعادة الإعمار قد تستغرق أكثر من خمس سنوات وربما تمتد الى 15 عاما.

وبحسب آخر تقييم أجراه مركز الأمم المتحدة للأقمار الاصطناعية «يونوسات» فقد تضرر ما يقرب من 69٪ من مبانى القطاع أى 170812 مبنى.

ما سبق صورة مصغرة من مكان واحد هو مخيم جباليا شمال القطاع، وهى صورة سوف تجدها كثيرا فى العديد من مناطق القطاع فى الأيام المقبلة، وما قالته السيدة العسكرى أو السحار سنجده يتكرر على لسان مئات الآلاف من سكان القطاع.

إسرائيل أرادت أن تحول القطاع بأكمله إلى منطقة خالية من السكان لإعادة استيطانها أو على الأقل تدمير شمال القطاع ليصبح منطقة عازلة. الاتفاق الأخير أوقف مؤقتا هذا الهدف. والفلسطينيون بما عرف عنهم من صبر وعناد ومقاومة وتمسك بالأرض قادرون على إفشال المخطط الصهيونى، لأن بيوتهم تهدمت مرات كثيرة من قبل وأعادوا بناءها.

هذا عهدنا بالفلسطينيين لكن من حقنا أن نسأل: من الذى سيتولى عملية تمويل إعادة بناء وإعمار قطاع غزة وما هى شروطه، خصوصا أننا سمعنا وقرأنا قبل يومين مصادر أمريكية قريبة من الرئيس الجديد دونالد ترامب تقول إن هناك خططا لنقل بعض الفلسطينيين من القطاع إلى أماكن أخرى ومنها إندونيسيا حتى يتم إعادة الإعمار.

ونتذكر أن الذين خرجوا بعد نكبة عام 1948 قيل لهم ستعودون بعد أسبوع أو شهر على أقصى تقدير، ولم يعودوا حتى الآن.

علينا جميعا أن نفرح بتوقف العدوان وبسالة وصمود الشعب الفلسطينى، لكن علينا أن نتروى كثيرا فى مسألة الانتصار حتى نرى  كامل المشهد قريبا.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي