قضايا عدة، وتحديات كبرى تواجه الصحافة المصرية، وواقع صعب يعيشه الصحفيون، على أكثر من صعيد، وأجواء ملبدة بعواصف وأنواء، وحديث متكرر عن مشكلات وأزمات مهنية واقتصادية، وقيود تشريعية، ورقابية، تحد من التحليق فى فضاء مكشوف وسماوات مفتوحة، وصراع ناشب بين الورقى والرقمى، وتراجع فى مهارات الملتحقين الجدد ببلاط صاحبة الجلالة، كانعكاس لتواضع مستوى خريجى الجامعات، وخصوصًا فى كليات الإعلام وأقسام الصحافة.
هو عش دبابير يخشى كثيرون الاقتراب منه، لكن المؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين، حاول ببعض دخان، وحفنة من مهارة، تهدئة الطنين الذى يقلب الرءوس، ويجلب اللدغات المؤلمة، لكن البعض اعتقد أن الضجيج وحده يمكن أن يسوق بضاعة «مزيفة» بعناوين عريضة وقاعات بعضها ضيق والآخر فسيح، فاختلط الحابل بالنابل، فلا تعرف رأسك من قدميك، فى مولد نصب وانفض، ككثير من الندوات والمؤتمرات التى تتناول قضايا مشابهة.
لا يختلف اثنان على أهمية أن تحتوى جدران نقابة الصحفيين نقاشات، وحوارات جادة ومعمقة تتناول قضايا المهنة وأوضاع الصحفيين، غير أن هناك فرقًا بين أن يكون الهدف الوصول إلى حلول لمشكلات مزمنة، وليس مآرب أخرى، بعضها لأغراض دعائية مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفى فى مارس المقبل، وبعضها لإحداث توازنات وتنوع «موهوم» فقد أضر الكثير من الملح الطبخة، وأفسد التماهى مع بعض الأطراف الهدف المنشود.
حرص نقيب الصحفيين الزميل خالد البلشى فى كلمته خلال حفل افتتاح المؤتمر على تأكيد الحفاظ على التنوع وعدم التفرقة بين فريق وآخر، وبتعبيره «كان الهدف أن يتم فتح الأبواب للجميع» غير أن نظرة بسيطة لجلسات المؤتمر، تقول إن بعضها حقق الغاية، وتابعنا أسماء تصدرت المنصات جديرة بكل تقدير، غير أن البعض الآخر عكس حرصًا على إرضاء وجوه بعينها، وجلب توازنات «غير بريئة» القصد والنية.
أسماء مكررة تصدرت أكثر من جلسة، وبعض وجوه جاءت تتحدث عن واقع الصحافة ومستقبلها بينما علاقتها بالقضايا المطروحة أشبه بعلاقة طلاب أقسام اللغة العربية باللغة الصينية التى لا يدرسونها (!!)، لكنها قبائل وعشائر، فرق وجماعات، يشد بعضها بعضًا.
هل كان مطلوبًا أن يعتلى أعضاء مجلس النقابة المنصات فى عدد كبير من جلسات الحوار؟ ألم يكتف هؤلاء الزملاء، على مدى أشهر، خلال الإعداد للمؤتمر من عرض وجهات نظرهم؟ ألم يكن من الأجدى الاستماع وإفساح المجال أمام أسماء من خارج الدوائر الضيقة للمنظمين، ورفاقهم؟!
نعم كان هناك نقاش موضوعى فى بعض القاعات، وعرض رصين للأسباب الحقيقية وراء تراجع الصحافة المصرية وانكماش سقف الحريات، ولكن قاعات أخرى شهدت صراخًا ومشاحنات، خرجت عن السيطرة فى بعض الحالات، وسط غياب لقطاع عريض من شباب الصحفيين الذين أداروا ظهورهم لما يجرى على الرغم من أن المؤتمر استهدف جذب هؤلاء، فهم أكثر المتأثرين بما يطرح على الساحة.
لم يخل المؤتمر العام السادس للصحفيين من بعض لمحات تكشف إلى أى مدى تدنت أوضاع الزملاء الاقتصادية والمعيشية، فقد كشف استبيان شارك فيه «1568 زميلا وزميلة»، أرقامًا مفزعة، بحسب نقيب الصحفيين.
ووفق الاستبيان الذى أجرته النقابة استعدادًا للمؤتمر العام السادس بلغت ذروة المعاناة فى الأجور، وأكد 13,1 % من المشاركين أنهم لا يحصلون على أى أجر، بينما كشف 7,1% أن أجورهم تقل عن 1000 جنيه شهريًا، وأشار 18,9% إلى أن أجرهم أقل من 3000 جنيه شهريًا، وقال32,7% إن أجرهم أقل من 6000 جنيه شهريًا، و28,2% فقط قالوا إن أجورهم تزيد عن 6000 جنيه شهريًا.
قراءة نتائج الاستبيان التى لا يتسع المجال لعرضها فى هذه السطور القليلة، تضع على نقابة الصحفيين، مجلسًا ونقيبًا وجمعية عمومية، عبئًا ثقيلاً يستوجب التصدى لحمله، بعيدًا عن المناورات، واللافتات الدعائية، التى تسبق الانتخابات النقابية.
أحوال الصحفيين المهنية والمعيشية تتطلب تضافر الجهود، والتفرقة بين الغث والسمين والبعد عن جلب النطيحة والمتردية، للخروج من نفق نرجو ألا يكون مسدودًا.