خلع أحمد الشرع أو أبومحمد الجولانى، حاكم سوريا الجديد، رداء المجاهدين، ولبس زيًا إفرنجيًا، ورابطة عنق، تناسب مرحلة تدشينه كرجل دولة يعرف كيف يتعامل مع الخارج الغربى الداعم لنظامه القائم على أنقاض بشار الأسد، وبعد أن تخلت واشنطن عن المطالبة برأسه كـ«إرهابى» مقابل 10 ملايين دولار، وأرسلت مبعوثيها إلى دمشق لتأكيد أنه صنع على عينها وهواها، وملبيًا لطموحات حليفتها إسرائيل.
شذب الجولانى لحيته، وبدأ فى توزيع ابتسامات وقورة على زائريه، وبينهم الزعيم الدرزى اللبنانى وليد جنبلاط، وأطلق تصريحات، خلال أسبوع حافل، بأنه لن يتدخل فى لبنان، وأن سوريا لن تكون منصة قلق لأى دولة عربية، بعد أيام من استقباله محمود فتحى قاتل النائب العام المصرى المستشار هشام بركات، برفقة مستشار العلاقات الخارجية فى حزب العدالة والتنمية التركى ياسين أقطا».
هى محاولات لتقديم صورة جديدة، لكن هل عقلية الجولانى ورفاقه من «المجاهدين» مؤسسى جبهة النصرة و«هيئة تحرير الشام» التى وضعها الغرب على قوائم «الإرهاب» تغيرت؟ وهل تاب هؤلاء، وأنابوا عن أفكارهم «المتطرفة» القائمة على فرض الآراء «بحد السيف» ومفهوم الحاكمية؟
على الرغم من محاولات ضبط النفس، وعدم الخروج عن مشهد «الثوار الكيوت»، كشف الأسبوع الأخير عن أن الباطن ربما غير الظاهر، خاصة فى النظرة إلى النساء، وتفلتت عن المتحدث الرسمى باسم الإدارة السياسية، التابعة لإدارة العمليات العسكرية فى سوريا عبيدة أرناؤوط، تصريحات تظهر بعض النوايا فى ملف شائك.
أرناؤوط أثار شكوكًا، وعاصفة من الخوف والقلق، فى صفوف السيدات السوريات، بقوله إن طبيعة المرأة البيولوجية والنفسية غير مناسبة لبعض المناصب، مثل وزارة الدفاع، وأن الحديث عن تولى المرأة القضاء لا يزال سابقًا لأوانه.
هو التصور ذاته الذى تتعلل به كل جماعات وفرق الإسلام السياسى، من وصل منها إلى الحكم، أم يحلم بالوصول، فى التعامل مع قضية المرأة ودورها فى المجتمع الذى يتراوح بين كونها «وعاء إنجاب» أو ممرضة أو حتى معلمة على أقصى تقدير، بينما باقى الأدوار الحياتية لا تناسب، فى نظر هؤلاء، «طبيعة المرأة البيولوجية»!
هذا التصور المغلوط عن قدرات النساء ودورهن المأمول فى بناء سوريا جديدة دفع بالعديد من الناشطات السوريات إلى التعبير عن رفضهن، مثل تلك الآراء التى تخرج عن بعض العقول التى وصفنها بـ«المريضة والمتخلفة»، وتساءلت، على سبيل المثال، الناشطة المدنية وعضو «المنتدى الاجتماعى» فى دمشق حنان عاصى: «هل حان الوقت لقرع أجراس الخوف؟».
ووفق تصريحات نقلتها صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، قالت عاصى: «ما نريده أن يكون عهداً للحريات والإنجازات والكل مستعد للانخراط بالعمل والكل متفائل؛ إلا أن ما قاله أرناؤوط يتناقض مع التطمينات التى أرسلتها الإدارة الجديدة، وما سبق أن صرح به الشرع بأكثر من ظهور إعلامى، ويثير المخاوف ويحبط الحالة الإيجابية التى تعم الشارع».
موقف السيدة حنان عاصى عبرت عنه العديد من النساء السوريات، وبينهن من شاركن فى تظاهرة فى ساحة الأمويين بدمشق للمطالبة بنظام مدنى وبمشاركة النساء فى الحياة العامة والعمل السياسى، ورفعن أصواتهن بشعارات مثل «سوريا حرة مدنية» و«نريد ديمقراطية وليس ديونقراطية»، و«لا وطنًا حرًا دون نساء أحرار».
شجاعة السيدات السوريات فى التمسك بحقوقهن، تتجاوز تعيين عائشة الدبس مسئولة عن مكتب شئون المرأة، كأول امرأة تشغل منصبًا رسميًا فى العهد الجديد، لتهدئة الخواطر، فالاحتجاجات على تصريحات أرناؤوط، رسالة احتجاج مبكرة تقول إنه لم يعد مقبولًا هضم حقوق النساء، بحجج تتخفى وراء ستار الطبيعة «البيولوجية» للمرأة ، بينما الهدف نسف دورها خارج حدود الحيض والنفاس!