رئيس كوريا الشمالية كيم يوج ايل زار الصينى يوم السبت الماضى واجتمع مع الرئيس الصينى هو جنتياو فى مدينة تشانغشون الحددوية بين البلدين والهدف هو الحصول على موافقة بكين على توريث الحكم لنجله كيم يونج أون.
وعلى ذمة وسائل الإعلام الكورية الجنوبية فإن الرئيس الكورى الشمالى حصل بالفعل على مباركة جارته الكبرى الصين لتوريث الحكم. لكن المفارقة الملفتة للنظر أن كل التقارير التى تتناول التوريث فى كوريا الشمالية هذه الأيام لم تتحدث ولو عرضا عن رأى الشعب فى الأمر، وكأنه غير موجود.
فهل هذا منطقى؟!
الرئيس الذى يحاول نقل السلطة إلى ابنه، سبق له أن حصل على السلطة من والده كيم ايل سونج بعد وفاته عام 1994، رغم أنه يقود دولة تقول إنها تطبق نظاما اشتراكيا ماركسيا، وتطلق على نفسها جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، وبالتالى كان مفترضا أن يتم الحصول على رأى الشعب، الذى سيتم حكمه حتى ولو نظريا عبر استفتاء مضروب من تلك التى كان يجريها المرحوم النبوى إسماعيل.
هذه الدولة البالغ عدد سكانها نحو 23 مليون نسمة تعيش فى أسوأ وضع اقتصادى ممكن وتعانى مجاعات مستمرة، والأخطر من كل ذلك أن شعبها يعيش تقريبا فى سجن بطول الوطن.
هى دولة وبسبب القمع والديكتاتورية فشلت فى كل شىء ونجحت فقط فى إقامة صناعة سلاح جيدة خصوصا فى الصواريخ مما جعلها تمثل صداعا دائما فى رأس الولايات المتحدة وحلفائها فى شرق آسيا.
شقيقتها كوريا الجنوبية صارت عملاقا اقتصاديا، والسبب هو الحرية والديمقراطية وتداول السلطة.. وهو ما ينطبق على اليابان بالطبع. النظام الكورى الشمالى فى بيونج يانج حاز بعض الإشادة والإعجاب فى المنطقة العربية عندما رفضت الخضوع للهيمنة الأمريكية، لكنه سلم كل شىء ووافق على تفكيك برنامجه النووى مقابل ضمانات تشمل أغذية وبطاطس، ثم تعثرت الصفقة بسبب خلاف على الإجراءات.
إذن الحاكم ونظامه لا يعادى أمريكا أو الامبريالية كما يزعم ــ بل إن هوايته الأولى هو «التسمر» أمام الأفلام الأمريكية، وابنه الأكبر جونج نام تم ترحيله من اليابان عام 2001 عندما حاول دخولها بجواز سفر مزور. والابن المرشح ليكون وريثا تقول تقارير إعلامية إنه يعانى مرضا يتسبب فى إفرازه لهرمونات أنثوية. كما أن والده نفسه أصيب بجلطة دماغية قبل عامين مما دفعه وقتها إلى التفكير فى نقل السلطة إلى ابنه.
السجن الكبير الذى يعيشه الشعب هناك هو الذى يدفع المتابعين إلى الاعتماد على التسريبات والتقارير الإعلامية الواردة من سيول أو طوكيو، ولا أحد يعرف مدى دقة هذه المعلومات، وآخرها ما تردد أن مدرب الفريق الوطنى وبعض لاعبيه تعرضوا لعلقة تأديب بدنى قاسية عقب فشل الفريق فى الدور الأول من نهائيات كأس العالم فى جنوب أفريقيا.
هل نلوم كيم جونج ايل لأنه يحاول نقل السلطة لابنه أم نلوم الشعب الكورى؟
تقديرى الشخصى أن أى حاكم ظالم وديكتاتور سيفعل نفس ما يفعله رئيس كوريا الشمالية طالما لم يجد من يقول له «بم» أو ماذا تفعل. لو كان هناك شعب حى ما تجبر هذا الحاكم أو غيره.
عندما يموت الشعب أو تخور قواه فإن الرئيس الكورى يعمل حسابا فقط لجارته الكبرى بكين كى يأخذ منها صك الموافقة على التوريث وحماية بلاده ليس فقط من أمريكا واليابان بل من شعبه أيضا.
وحتى لا نظلم كوريا الشمالية، فإنها ليست حالة متفردة، صارت هناك بلدان كثيرة تفعل مثلها رؤساء هذه البلدان لا يشعرون أن هناك شعبا ولا يكترثون لوجوده، بل فقط يعملون حسابا للكبار والمؤثرين. حصل ذلك فى سوريا وفى الجابون.
الرئيس الكورى الشمالى ذهب إلى الصين ومعه ابنه وعاد فى قطار خاص حاملا معه صك الموافقة على التوريث، وأغلب الظن أن آخرين مثله يحاولون أن يفعلوا الأمر نفسه ولكن فى عواصم أخرى.. فهل ينجحون؟!