نشر موقع درج السورى مقالًا للكاتبة هالة إبراهيم، تناولت فيه تأثير الحرب بين حزب الله من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، على انعقاد الصالونات الثقافية والأدبية بجنوب لبنان. كما تطرقت الكاتبة إلى سبب حضور النساء بنسبة أكبر لهذه الصالونات مقارنة بالرجال، وسر اهتمام المرأة بالقراءة عمومًا والأدب خاصة.. نعرض من المقال ما يلى:
للمرة الثالثة على التوالى، نؤجل جلسة المناقشة فى صالون الكتاب فى النبطية بلبنان. الغارات الحربية فى ازدياد مستمر، المسيرات لا تغادر سماءنا منذ شهور، والتنقل على الطرقات يبدو أمرًا محفوفًا بالمخاطر.
عملت مجموعة من أبناء جبل عامل (بجنوب لبنان) منذ سنوات عدة على الاجتماع شهريًا بهدف مناقشة كتاب. كانت الكتب بوابة لنا لصداقة من نوع آخر، فزاوية الرؤيا وتتبُّع المسارات الدرامية للأحداث والشخصيات، أوجدا بيننا صلات وأواصر لم يكن للحياة أن تتيحها بحال من الأحوال.
غالبيتنا من النساء، الرجال فى مجموعتنا يحضرون ويغيبون، أما نحن فثابتات، نواظب على الحضور من دون انقطاع تقريبًا، غير أن هذه الحرب اللعينة منعتنا من اللقاء، من دون أن تفلح فى منعنا من القراءة؛ تسليتنا الأثيرة، بها نمنح الحياة طعمًا ورائحة، نسكن مدنًا آمنة ونخرج من الأوراق أرانب بيضاء وزوارق تجوب العالم.
فى مقدمة مقالته الرائعة «لماذا نقرأ الأدب؟»، يذهب ماريو بارجاس يوسا، الأديب البيروفى الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 2010، إلى أن القراءة تتحول تدريجيًا إلى نشاط نسوى، فالرجال المشغولون دائمًا، يرون أن مسئوليات كثيرة تقع على عاتقهم أكثر أهمية من القراءة، وينظرون إلى القراءة كأنها نشاط كمالى يمكننا الاستغناء عنه، أو كنوع من الترفيه لأشخاص يملكون وقت فراغ.
يعتقد يوسا أن النساء يعملن لوقت أقل؛ وهو ليس محقا، وبالتالى سيجدن متسعًا من الوقت للقراءة، ويقول فى هذا الصدد: «أنا سعيد من أجل أولئك النسوة، لكنى أشعر بالأسف للرجال وللملايين ممن يستطيعون القراءة لكنهم اختاروا تركها».
علاقة المرأة بالكتب ظاهرة تستحق الدراسة، إذ تشير دراسات حديثة إلى أنها أكثر ميلًا إلى القراءة عمومًا، وإلى قراءة الأدب بخاصة. يبدو أن المسألة ليست مسألة وقت فقط، فالقراءة بالنسبة إلينا نحن النساء نشاط يشعرنا بالفاعلية والإنجاز، ويجعلنا أكثر تأقلمًا مع واقعنا. ربما لأننا وبفعل القراءة، نتخطى حقيقة أننا واهنات مكبلات، وربما لأنها ترتقى بأجسادنا إلى منطقة مساوية، بعيدًا عن محاولات التأطير التى تفرضها نظرة الرجل، فضلًا عن نظرة الأسرة والمجتمع.
نتشبث بالقصص كغريق يقف على رءوس الأصابع ليطل برأسه ويعبّ الهواء بكامل دمه، بعدما خانته الرمال وأوهمته بصلابة الأرض وثبات القدم. بهذا المعنى تصبح القراءة شكلًا من أشكال التمرد، بها تتحطم الأسوار وتسقط الحصون، تلك التى التفّت كأفعى حول أرواحنا وأجسادنا.
هنا ترى المرأة أن الحرية التى تحصل عليها بسبب القراءة، هى حرية دائمة ومستحقة، وبإمكانها أن تؤسس لمجتمع من نوع آخر، مجتمع لا يقبل التغيير فحسب بل يحرص عليه ويسعى إليه. يقول پول ريكور: «إن الحياة لا تُفهم إلا من خلال القصص التى تروى عنها»، وغنى عن القول إن فى حياة المرأة ما يكفى من التعقيدات لجعلها أكثر حرصًا على الفهم لمواصلة الطريق حقًا؟
من نحن لولا ذاكرة الجدات وسطوة الحكايا؟ ومن أين لنا يد حانية رفيقة تمسك بأيدينا لولا القراءة؟ أطيلوا النظر فى وجوه النساء إذًا، وستطلع لكم شهر زاد، أنثى مجبولة بغواية الحكاية، أنثى راحت تحكى ألف ليلة وليلة لتنقذ نفسها من الموت أو من الحياة لا فرق، المهم أنها آمنت بالحكاية سبيلًا للنجاة ومعادلًا للحياة.
النص الأصلى:
https://bitly.cx/K2iSE