أحب المصريون الملاحم العاطفية الريفية التى كان لها بذور فرنسية، باعتبار أن أغلب الملاحم السينمائية لها مصدر أدبى فرنسى، أما الريف الغربى فقد كان مليئا برعاة البقر الذين يتصارعون على امتلاك الأرض والأبقار فخلت هذه الأفلام من الرومانسية، وقد أحب بركات هذا النوع من القصص وسعى إلى تقديمها، ومنها «حسن ونعيمة»، و«الحرام»، و«دعاء الكروان»، و«أفواه وأرانب»، وفى فيلم «حسن ونعيمة» سعى إلى تقديم وجوه جديدة يراها الناس تمثل لأول مرة، وتبدو عليهم ملامح الشباب الغض، وكثيرًا ما تكون نهايات هذه القصص البريئة مأساوية تنتهى بموت العاشق الذى منعه الفقر من الاقتران بحبيبته فيسعى المنافس المقتدر على امتلاك المراهقة الصغيرة.
هذا النوع من القصص يملأ الريف المصرى وقد تم نقله إلى الدراما الإذاعية مثل حكاية «ياسين وبهية»، وقد تنافس المخرجون من أجيال متعددة لتقديم هذه القصة التى تحكى تفاصيل قصة حب تنمو بين نعيمة، وحيدة أبيها وبين مطرب القرية المجاورة حسن الذى ذهب إلى والدها فوافق على الخطبة، إلا أنه أمام الضغط الاجتماعى وإغراء المال يسحب وعده، ما يتيح لعطوة، الغليظ المنافس، أن يتخلص من حسن بالقتل كى تفسح له الفرصة للحصول على حبيبته، إنها قصة الحب الممزوجة بالبراءة والموت والدم، فتنقلب رومانسية الريف الأخضر إلى اللون الأحمر العنيف، وقد كان سبب نجاح هذه القصة أن بركات يفهم آلية صنع هذه الأفلام، أقصد اللمسة الفرنسية، وأضاف من عنده الغناء، باعتبار أن حسن صاحب صوت جميل وأن كل ما يريده هو حبيبته نعيمة، ولكنه يموت عندما تطأ قدماه أرض قرية فتاته عندما يأتى لمعاتبة أبيها.
هذا النجاح جعل المخرجون يقدمون القصة نفسها فى السينما مثل فيلم «المغنواتى» عام 1979 إخراج سيد عيسى؛ حيث فعل ما سبقه بركات إليه، وهو الاستعانة ببطلين من الشباب ومعهما البطولة للمرة الأولى، وكانا هما على الحجار وليلى حمادة، إنه نفس الجو الريفى بصورته القديمة الرومانسية، باعتبار أن حسن يعمل فى مهنة عاطفية يتأثر بها الناس وهو دائما علامة للأفراح، إلا أن الأحداث تنتهى دوما بالعنف، كما أن التلفزيون قدم هذه الحدوتة فى مسلسل «إبان العقد الأخير من القرن العشرين» بطولة عمر فتحى، كل شىء هنا واضح للصراع فالمقصود هو الحصول على عروس جميلة من طرف واحد من أعيان القرية، ومن خلال التفاصيل نكتشف أن نعيمة هى صفقة سيحقق بها الأب ثروة وكأنما الابنة راحت ضحية لطمع أبيها، ومن المعروف أن هذه القصة قد دارت أحداثها فى ريف مصر بالدلتا، أى أنها لم تكن أرضها فى أعالى الصعيد مثلما يحدث عادة، باعتبار أن هذا المجتمع آمن لا يميل إلى العنف، بل إن المغنواتى هذا هو الذى يأتى بنفسه ليغنى فى أفراحهم، لذا فإن ظهور كل من محرم فؤاد وسعاد حسنى قد غير صورة الأغنية السينمائية لدرجة أن المخرج حسام الدين مصطفى قد دفع لشخص منافس كى يقتل المطرب الذى يجسده محرم فؤاد فى فيلم من أفلامه الأولى يحمل عنوان «وداعا يا حب»، حين تصور أن مجرد قتل العاشق وأن إنهاء الفيلم بأغنية حزينة سبب للنجاح، دون أن يمتلك خبرة بركات فى أن مثل هذه الأمور لا تنجح عندما تتكرر، ولكن كما أن مخرج فيلم «المغنواتى» وهو دارس أكاديمى لم يفلح فى عمل مزيج سينمائى من على الحجار وليلى حمادة فساعد فى القضاء على مستقبلها الفنى ومستقبله السينمائى علما بأن فى التجارب الثلاث التى نعرفهم كان حسن المغنواتى هو مطرب شاب يطلع على الناس ليغنى لهم عن الحب والأمل.