فى ختام مقالى أمس بعنوان «إسرائيل والأسد وبينهما النصرة»، اقتبست ما قاله هاكان فيدان وزير الخارجية التركى بأن «شريان حياة الجماعات الإرهابية بالمنطقة فى يد أمريكا، وأنه لا يمكن أن تستمر هذه الجماعات حتى ثلاثة أيام من دون دعمها».
ما قاله فيدان شديد الأهمية والخطورة، ليس فقط لأنه وزير خارجية تركيا الدولة الصديقة للولايات المتحدة، أو العضو فى حلف شمال الأطلنطى «الناتو» بل، لأنه كان يشغل حتى شهور قليلة مضت منصب رئيس جهاز المخابرات التركية، وبهذه الصفة فهو يعرف الكثير من الأسرار عن هذه الجماعات.
شخصيًا لم أكن فى حاجة إلى دليل لكى أدرك أن غالبية الجماعات الإرهابية، والتى تتمسح وتتاجر بالإسلام هى أدوات فى يد الولايات المتحدة حينًا وإسرائيل أحيانًا، وبعض دول المنطقة أحيانًا ثالثة، وكل طرف يشغلها لمصالحه المختلفة ثم يلقيها فى أقرب سلة مهملات.
من يتتبع نشأة وظهور هذه التنظيمات سوف يكتشف أن بعضها ظهر بدعم بريطانى، ثم جرى تسليمه للولايات المتحدة التى ورثت معظم الأمبراطورية البريطانية، والمستفيد الأكبر من غالبية هذه التنظيمات إضافة إلى أمريكا كان إسرائيل أو تركيا أو إيران.
هل معنى كلامى أننى أتهم كل أفراد هذه المجموعات الإرهابية والتكفيرية بأنهم عملاء لأمريكا وإسرائيل؟!
الإجابة هى لا، فغالبية أعضاء هذه الجماعات بسطاء وسذج ومغسول أدمغتهم، ويعتقدون فعلًا أنهم يجاهدون فى سبيل الله وفى سبيل نصرة دينه ومعظمهم فى تنظيمات تحمل اسم القدس، لكنها لم تطلق رصاصة واحدة لنصرة القدس.
قادتهم فقط هم من يدركون الحقيقة المرة وأنهم أدوات فى يد من يشغلهم ويدفع لهم. هم فقط من يضغطون على الزناد، لمصلحة القابعين فى غرف كانت مظلمة وصارت الآن علنية.
خطورة كلام فيدان أنه يأتى أيضًا من مسئول مهم فى دولة كانت وما تزال ترعى العديد من التنظيمات التى لعبت دورًا كبيرًا فى تخريب وتدمير سوريا، لكن الملفت أن أنقرة تبرأت مما يحدث من تطورات متلاحقة فى الملف السورى رغم أنها أيضًا يهمها إعادة السوريين الموجودين على أراضيها وضمان كسر شوكة التنظيمات الكردية.
مرة أخرى، نتنياهو وهو يقبل وقف إطلاق النار مع حزب الله اللبنانى، مساء الثلاثاء الماضى، هدد الرئيس السورى بشار الأسد ووصفه بأنه يلعب بالنار. وبعد هذا التهديد بساعات قليلة تحركت العديد من الفصائل المسلحة المعارضة للدولة السورية بقيادة «هيئة تحرير الشام» التى غيرت اسمها أكثر من مرة من كونها جزءًا من داعش ثم الولاء لـ«القاعدة» إلى «النصرة»، وغالبية أعضائها من جماعة الإخوان السورية.
تحركوا فجأة وتمكنوا من احتلال مساحات كثيرة من حلب، ثم اقتحموا مواقع أيضًا فى حماة. وفى نفس التوقيت تحركت أيضًا بعض القوات التركية «قسد»، لتحتل مساحات فى حلب أيضًا.
لفت نظر المراقبين للشأن السورى الأسلحة الحديثة جدا التى استخدمتها هذه الفصائل الإرهابية فى الهجوم على مواقع الجيش السورى المدعوم من روسيا وإيران. والملفت أيضًا غياب مقاومة الجيش السورى الذى قال إنه انسحب أو حسب تعبيره «أعاد انتشاره» استعدادًا للهجوم المضاد.
لا يمكن الجزم بشىء فى هذه التطورات، لكن توقيت الهجوم ليس مصادفة. ومن يتبع نشاط هذه التنظيمات فى سوريا منذ مارس ٢٠١١ سوف يكتشف أنها لا تتحرك إلا بأوامر من أمريكا أو تركيا أو بعض الدول العربية. الآن غالبية الدول العربية التى دعمت هذه الفصائل عام 2011 أدركت حقيقتها، وبالتالى أعادت علاقتها مع النظام السورى، الذى عاد إلى الجامعة العربية فى العام الماضى.
مرة أخرى أوضحت فى مقال الأمس أن نظام الرئيس بشار الأسد يتحمل مسئولية أساسية فى الحالة التى وصلت إليها البلاد، لكن ذلك لا يعفى التنظيمات الإرهابية والمأجورة من مسئولية تدمير هذا البلد العربى الكبير. هى ارتضت أن تكون مجرد أدوات فى يد كل أعداء الأمة، تتحرك بالريموت كنترول فى اللحظة التى يحتاجها «المشغل».
ومن الواضح أن «جراب الحاوى» الأمريكى والإسرائيلى ملىء بالحيل والخدع والألاعيب، وأن العدوان لن يكون قاصرًا فقط على غزة ولبنان، وربما نكون فى مرحلة بدء تنفيذ مخطط نتنياهو بتغيير المنطقة.