جلد الفعل الفاضح - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 8:48 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جلد الفعل الفاضح

نشر فى : الإثنين 2 يناير 2023 - 7:40 م | آخر تحديث : الإثنين 2 يناير 2023 - 7:40 م
واقعة جديدة دخلت ميدان الجدل فى حقل الأخلاق العامة التى أصبحت وجبات دسمة يلتهمها رواد مواقع التواصل الاجتماعى الذين تتلاعب بهم رياح اللجان الإلكترونية، وراغبو ركوب «الترند» من وسائل تحسب، للأسف، على الإعلام، ويديرها إعلاميون بالاسم، لكنهم فى جوهرهم وحوش كاسرة تبحث عن مجد زائف وشهرة فاسدة، والبقاء أطول وقت على عرش «الميديا» الزائل.
هذه المرة كانت الضربة بشريط فيديو تم تداوله على «السوشيال ميديا» يظهر شابا وفتاة، يمارسان فعلا فاضحا على أحد الكبارى بمنطقة الساحل شمال القاهرة، قبل أن تتمكن أجهزة الأمن من تحديد هويتهما والقبض عليهما بتهمة ارتكاب فعل فاضح بالطريق العام فى وضح النهار.
ووفقا لما نشره غالبية الزملاء فى أقسام الحوادث فى الصحف والمواقع الإلكترونية فقد «أفادت التحريات، بأن الشاب والفتاة، طالبان بالمرحلة الثانوية، وأنهما يقيمان فى منطقة الشرابية» وفى التحقيقات اعترف الشاب والفتاة بارتكابهما الواقعة التى تعود إلى شهر إبريل الماضى، قبل أن تأمر النيابة العامة بإخلاء سبيلهما بعد استجوابهما بكفالة 1000 جنيه.
شريط الفيديو المؤسف الذى جرى تداوله السبت الماضى وقبل أن تغرب شمس عام 2022، كالعادة، فجر جدلا واسعا بين متابعى مواقع التواصل الاجتماعى، وأثار غضبا عارما على الشاب والفتاة، «عديمى الأدب واللذين خرقا الأخلاق الحميدة الراسخة فى المجتمع، ولم يردعهما دين، ولا أعراف اجتماعية، وطالب البعض بتوقيع أقصى العقوبة عليهما، ليكونا عبرة لمن لا يعتبر».
وعقب أن فرغت شحنة الحنق والغضب على الشاب والفتاة «المراهقين» تحولت ساحة السوشيال ميديا إلى التفتيش والتنقيب عن مصور الفيديو باعتباره الفاضح لـ«الفعل الفاضح»، و«عليه أن يدفع ثمن عدم ستر الشاب والفتاة اللذين كان يمارسان الأعمال المنافية للآداب جهارا نهارا تحت أعين المارة!»، بل وتقمص البعض دور شرلوك هولمز وراح يحلل شريط الفيديو لمعرفة زوايا تصويره، وأين وقف صاحب الكاميرا الخفية؟!
وفى خضم البحث عن «الترند» وأن ينال كل فريق حصته من ملايين المتابعين الشغوفين بعالم النميمة، تبارت المواقع الإلكترونية والصحف الورقية فى متابعة «الجريمة الأخلاقية» مكتملة الأركان، وراح كل طرف يضيف إليها المزيد من «البهارات» التى تظهر كم أننا مجتمع محافظ يرفض «الرذيلة» ويحارب «الفسق والفجور» الذى تسلل إلى بعض الأبناء فى غفلة منا.. وراح البعض يعيد مقاطع من تعليقات رواد السوشيال ميديا التى تطالب برأس الفتى والفتاة، باعتبارهما «وصمة عار فى جبين مجتمع الأطهار».
لم يسأل أحد عن الأسباب الاجتماعية، ولا الأسباب النفسية التى أوصلت شابا وفتاة من «المراهقين» إلى التجرؤ على «قواعد» نظن أنها راسخة، رغم الجرائم الأخلاقية والجنائية والمفاسد الحياتية التى تحيط بنا من كل جانب. لم يوجه الإعلام بوصلته إلى خبير اجتماعى، ولا إلى محلل نفسى يشرح لنا «خراب النفوس» الذى وصلنا إليه، ولم يربط الزملاء الصحفيون بين ما يحدث من ظواهر سلبية والتغيرات الحادة التى نعيشها على جميع الصعد فى الوقت الراهن.
تجاهل المدافعون عن الأخلاق، وحماة القيم، ربط ما يجرى بالتراجع بل والفشل، لمنظومة تعليمية تقوم على شعار «العلم مقابل المال» فى المدارس والجامعات، ولا تسأل عن التربية فأصحابها مشغولون بجمع المدخرات من حصيلة الدروس الخصوصية فى «السناتر» التى وصل التبجح إلى الدعوة لتقنينها تحت قبة البرلمان!
الشاب والفتاة، يستحقان العقاب الرادع.. نعم، لكنهما أيضا، يجب أن يحاكم مع قضيتهما المجتمع بمؤسساته التعليمية والدينية والثقافية ومراكز الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تخلت عن أدوارها الحقيقية وتفرغت لمآرب أخرى، فى ظل إعلام مشغول بحروب داحس والغبراء بين حفنة من الإعلاميين ورموز فى مجتمع المال والأعمال على حساب قضايا المجتمع الجوهرية.. الفعل الفاضح للشاب والفتاة أمام القضاء الآن، لكن العقاب و«جلد الفعل الفاضح» يجب أن يشمل الجميع، وأولهم المتلاعبون بمواقع التواصل الاجتماعى، وملوك لعبة «بص العصفورة».
التعليقات