ما يجرى الآن بصدد قضية علاج مرض التهاب الكبد الوبائى الناتج عن الإصابة بفيروس (سى) وما يتبعها من تداعيات تبدأ بتليف الكبد وتديمر خلاياه لتنتهى بالسرطان يعد متاهة حقيقية. إذا كان هذا حال الأطباء فما بالك بالمرضى الذين يتعلقون بخيوط الأمل التى تتبدل وتتغير من يوم للذى يليه. من الواضح أن من يحركون تلك الخيوط هم شركات الدواء العملاقة التى أصبح من الطبيعى أن تتبدل عناوين الصفحات الأولى فى الصحف تباعا مع الإعلان عن دواء جديد تزيد نسبة الشفاء فيه على ما سبقه واحد بالمائة.
تراجع الإنترفيرون الذى ظل لأعوام كثيرة سيد الساحة بلا منازع ليحل فى مرتبة الشريك الذى يمكن إضافته لآخر أو مجموعة أدوية لضمان فاعليته. ثم توالى ظهور أسماء مختلفة أهمها السوفالدى الذى انتهى الأمر باستيراده واتفاقية لإنتاجه محليا لتبدأ معه محنة الهجوم على الاتفاقية ومقارنتها بما حدث فى الهند ويحدث. انتقل الحديث من مراكز العلم للصحف والفضائيات واحتل وزير الصحة صفحات وساعات الإعلام مدافعا عن موقف الدولة الذى بات محل شك وارتياب ربما دون داعٍ، فالأمر بدا كقمة جبل الجليد التى تظهر على سطح المحيط بينما تغوص الحقيقة كاملة فى الاعماق.
لم يقف الأمر عند هذا الحد بل بدأ الحديث عن جيل ثان من أدوية علاج فيروس (سى) وتصدر القائمة عقار جديد تماما بمادة فعالة مختلفة ولا يستوجب حقن الإنترفيرون وتصل نسبة الشفاء فيه إلى ١٠٠٪ عند تمام تناوله بالفم لمدة تتراوح بين ثمانية وإثنى عشر أسبوعا. (فيكيرا هو اسم أحدث أدوية علاج فيروس (سى) والذى أعلن عنه هذا الأسبوع فى مؤتمر أمراض الكبد للجمعية الأوروبية المنعقد فى فيينا.
أكثر ما يكدرنى هو أننى على يقين من أن تلك الضجة الإعلامية التى لا يمكن أن تحدث إلا فى بلادنا إنما تقود مريض الكبد إلى متاهة يدور فيها ليخرج فاقدا الأمل فى الشفاء وصدق نوايا الدولة تجاهه.
يجب أن تتوقف «الهوجة» الإعلامية التى تصاحب ظهور علاج جديد، وعلى أذكركم بما صاحب أحداث موقعة «الكفتة» التى مازلت أنتظر أن يعلن عن حقيقتها فإن التعتيم عليها عواقبه وخيمة.
يجب أن يمنع تماما غير المؤهلين من الحديث فيما لا يعلمون والأمر هنا ينطبق على الإعلاميين قبل ضيوفهم.
يجب أن تتبنى الدولة سياسة واضحة فى قضية فيروس (سى)، أن يتحدث أهل العلم حديث العلم ليطمئن قلب المريض وعائلته فكل تلك الأدوية لا تقف فى صف واحد وليس لأى منها أن يعالج كل المرضى! إنما هى اختيارات ومواصفات فى الدواء والمريض يجب أن يعلن عنها ويعرفها حق المعرفة الطبيب والمريض.
ملاحظة أخيرة: طالعت هذا الصباح الإعلان عن حقنة واحدة تقضى نهائيا على فيروس (سى): الخبر على الفيس بوك!