نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب حسن مدن، تناول فيه محتوى الرسالة التى كتبها الفيلسوف الألمانى مارتين هايدجر لمحبوبته الفيلسوفة هانا آرندت، لكنه لم يرسلها إليها بل تركها بين ثنايا كتاب ما؛ يرى كاتب المقال أن سبب عدم إرساله للرسالة هو إدراكه بعدم صدق تبريراته، التى ذكرها فى الرسالة، لموقفه المناصر للنازية... نعرض من المقال ما يلى.
أبدى عدد من الأصدقاء والقراء رغبة فى معرفة محتوى الرسالة التى كتبها الفيلسوف الألمانى مارتين هايدجر لمحبوبته الفيلسوفة بدورها هانا آرندت، تلك الرسالة التى وصفناها، فى مقال سابق، بـ«المنسية فى كتاب»، لأن آرندت لم تقرأها كون هايدجر لم يرسلها لها، وإنما أودعها بين ثنايا كتاب ونسيها، لتنشر بعد وفاة من كتبها ومن كتبت إليها.
كانت الحرب العالمية الثانية قد انتهت بهزيمة النازية التى اتهم هايدجر بتأييدها، فوجد بلاده تحت سلطة جديدة يديرها الحلفاء المنتصرون فى الحرب، وليواجه، من قبلها، بما نسب إليه من تهم بدعمه للنازية، وهذا ما حاول هايدجر نفيه فى رسالته إلى محبوبته.
حوت الرسالة شحنة عالية من العواطف التى يكنّها هايدجر لآرندت، نجدها فى مطلع الرسالة وفى خاتمتها رغم الانقطاع الطويل بينهما بسبب تباين المواقف واضطرار آرندت إلى مغادرة ألمانيا إلى باريس أولا ثم إلى الولايات المتحدة، فكتب فى مطلع الرسالة يقول: «صديقتى العزيزة كم أن ذكرى الماضى تعود فى أغلب الأحيان، وكم هو مدهش الحفر فى بئر الذاكرة مع إثبات النظر فى الحفرة الداكنة والمتلاشية، حيث تبرز صور شاحبة وظلال خفيفة». قال هايدجر أيضا مخاطبا محبوبته: «كنت لطيفة جدا حين أرسلت لى صورا مع رسالتك الأخيرة وها أنا أراكِ من جديد متألقة بهيئتك، هيئة إلهة إغريقية كإفروديت، وها أنا أعيش من جديد بدايات علاقتنا، ومرة أخرى أشم عطور حدائق ذلك الشهر، شهر أيار المضىء الذى تعرفت خلاله عليك، ومن جديد أرى الأشجار والزهور والليلك وهو يتمايل على الجدران القديمة وأنا مفتون بالرحيق العذب لحبنا».
بعد ذلك يعرج هايدجر على تبرير موقفه بمناصرة النازية، نافيا أن يكون قد أصبح عضوا فى الحزب النازى، ويؤكد أن قبوله برئاسة جامعة فرايبورج فى ظل سلطة هتلر جرى تحت ضغط أصدقائه الذين كانوا يرغبون فى أن تظل الجامعة مستقلة ولو بشكل محدود عن التوجهات النازية التى كانت قد بسطت سيطرتها المطلقة على جميع المؤسسات، زاعما أن موقفه تعرض للتشهير والإساءة، قبل أن ينتقل إلى بث شكواه لآرندت مما ناله من تحقيق ومضايقة بعد هزيمة النازية.
لعل هايدجر كان يدرك، فى قرارة نفسه، أنه يكذب فى هذه التبريرات، لذلك صرف النظر عن إرسال رسالته، وأخفاها فى ثنايا الكتاب.
النص الأصلي