بينما تعلو الأصوات تنعى حال ما وصلنا إليه من مستويات متدنية فى المستشفيات العامة من خدمة طبية وأحوال عامة داخل المستشفيات تسطع فى الذهن صور من أرقى ما عرفت الإنسانية لرعاية المرضى نفسيا فى مصر.
ذلك الوقت الذى كان أثرياؤها يخصصون من ممتلكاتهم الخاصة أوقافا للاهتمام بصحة المرضى النفسية.. نعم عرفت مصر الأوقاف الخيرية التى تخصص لمؤانسة المريض.
فهناك مرتب شهرى ثابت يتلقاه مؤنس المريض الذى يمر بالمستشفيات لمسامرة المرضى والسؤال عن أحوالهم وإدخال السرور ومشاعر التفاؤل إلى قلوبهم.
لماذا عاودنى هذا الخاطر اليوم؟
التقينا مجموعة من أصدقاء زمن جميل مضى ولن يعود.. يعمل الجميع فى ميدان العمل الاجتماعى فكان لكل منهم حديث عن مثل يتمنى لو أنه يمكن محاكاته فى مصر.
حدثتنا صديقة طبيبة عن تجربة إنسانية بديعة ترعاها الحكومة السويسرية وتدعمها: حدثتنا عما يعرف فى سويسرا بـ «بنك الزمن» ذلك البنك الحكومى الذى يدخر فيه السويسريون ساعات من عمرهم تبدأ مبكرا منذ مراحل الشباب الأولى.
يدخر الإنسان ما يمكن ادخاره من ساعات يقضيها فى العمل العام لمساعدة الآخرين. رعاية المسنين والمرضى ومصابى الحوادث وذوى الاحتياجات الخاصة. تسجل له الدولة عدد تلك الساعات التى لا يتقاضى عنها أجرا بل تتراكم فوائدها لوقت يحتاج فيه من يرعاه إذا ما ألم به حادث أو أوغل فى العمر حتى صار مسنا يحتاج من يسانده ويساعده.
يظل الإنسان السويسرى يدخر فى بنك الزمن طالما كان قادرا على العطاء والحركة فإذا ما احتاج يوما وجد مدخراته تسانده وتدعمه بجميع الوسائل وكل الخدمات.
الفكرة على بساطتها بديعة فمن تعود العطاء يتلقى الدعم وقت الحاجة كحق له تدعمه وتنظمه الدولة. تفاصيل العمل مبهرة إن دلت على شىء فإنما تدل على التزام كامل من الدولة بشأن مواطنيها وإنسانية فى أبهى معانيها تجعل من هؤلاء البشر مثلا راقيا للحضارة والثقافة التى تضرب بجذورها فى الأرض وإن كستها الثلوج.
أما المثل الثانى فقد جاء من كندا؛ حدثنا صديق عزيز عن مركز أيضا أسسته وتدعمه الحكومة ويفتح أبوابه لمن يتطوع للمساعدة يخصص فقط لمرضى السرطان الذين هم تحت العلاج لرفع حالتهم المعنوية ومعاونتهم على الانتظام فى إيقاع الحياة حولهم والتخلص من كل المشاعر القاتمة التى غالبا ما تحتل مساحة واسعة فى حياتهم.
ينخرط مرضى السرطان فى نشاطات مختلفة يتقدم لتدريسها أيضا متطوعون أو من تستقدمهم الدولة للعمل من فناين ومدربين للألعاب المختلفة التى يطيقها المرضى بل ومدربو الرقص أيضا جلبا للبهجة ودعما للحركة المستمرة إلى جانب طهاة محترفين يقدمون أمثلة للطعام الصحى الذى يتناسب مع ظروف المرضى ولا يخلو من مذاق جيد ونكهات رائعة.
يسمح لكل مريض باصطحاب صديق أو رفيق حتى لا يطغى الإحساس بأن الكل مريض أو يفتقد الإنسان زوجة أو ابنا أو صديقا عزيزا فيذهب ذلك الإحساس بالبعض من بهجته.
أمثلة بديعة لتعاون المجتمع المدنى والحكومات المسئولة عن صحة مواطنيها الجسدية والنفسية فهل يمكننا يوما أن نتلقى دعوة من الحكومة المصرية تدعونا لبداية مشروع الادخار فى بنك الزمن المصرى أو تسألنا الانضمام إلى مشروعها القومى لرعاية مرضى السرطان.
الأمثلة كثيرة والأمل باق فى قلب كل من يؤمن أن هذا الوطن سينهض حينما يستوعب عظمة تاريخه.