فى عالم السياسة والحكم، قد تكون على حق مليون فى المائة، لكن تخسر بعض القضايا التى يفترض أنها مضمونة تماما.
وفى هذه الحالة لا يكفى أن تقول إنك على حق فقط، ثم تتخذ قرارا هو بالضرورة صحيح، لكن حينما يتم تنفيذه تجد نفسك خاسرا بعض النقاط.
الفكرة السابقة لست أنا صاحبها، ولكن أوحى لى بها أحد الخبراء خلال حديث هاتفى الأسبوع قبل الماضى.
قال لى إنه يتمنى أن تتنبه الحكومة إلى التفاصيل الصغيرة والفنية، فى بعض القرارات التى أصدرتها فى الفترة الأخيرة. وإلى أهمية التوقيت، والأهم إلى ضرورة مخاطبة الناس بصورة صحيحة، حتى تصل إليهم الرسالة أكثر وضوحا.
هو شرح لى الأمر قائلا:
قضية إزالة التعديات على أملاك الدولة، وإزالة المبانى المقامة بدون ترخيص، أو المخالفة للاشتراطات العامة، قرار صحيح مليار فى المائة، وهو قرار أعاد الهيبة للدولة وأرجع الحقوق لأصحابها، ولا أحد يستطيع أن يختلف معه.
كذلك الأمر فى قرار تحويل السيارات خصوصا الأجرة للعمل بالغاز الطبيعى بدلا من البنزين والسولار، هو قرار صحيح جدا، لأنه أولا يحافظ على البيئة، وثانيا يوفر نحو نصف التكاليف، وثالثا يقلل الضغط على الموازنة العامة للدولة، باعتبار أننا ننتج الغاز أكثر من بقية مشتقات البترول، التى تكلفنا الكثير لاستيرادها.
هناك أيضا قضية تخفيض أسعار الغاز للمصانع، وصرف مستحقات المصدرين أولا بأول. هى قضية ضاغطة على المنتجين، والدولة لديها وجهة نظر وتقول إنها بدأت الاستجابة.
هناك أيضا ضغوط صعبة جدا على الفلاحين بسبب تداعيات انتشار فيروس كورونا، هذا القطاع تحمل عبئا هائلا، ويحتاج إلى طبطبة من الدولة لأنه قطاع فى غاية الأهمية، وينبغى أن نشجعه ونحميه بكل الطرق لأن العالم كله سيفعل ذلك فى المستقبل.
هناك أيضا زيادة رسم تنمية موارد الدولة على كروت شحن الموبايل من ستة إلى ثمانية جنيهات سنويا.
أيضا تمرير قانون من البرلمان ينقل جزءا من تبعية دار الإفتاء من الأزهر إلى الحكومة، مما أثار ضيقا وغضبا مكتوما داخل الأزهر.
وكذلك هدم بعض المقابر لتوسعة طرق عامة. مما أثار غضب اهالى المتوفين وغالبية المثقفين، وهدم وإزالة بيوت فى محور الزمر.
ومرة أخرى معظم ما سبق قرارات صحيحة لكن عندما يتم تنفيذها فى وقت واحد قد تؤدى لارتفاع منسوب الغضب الشعبى.
قلت لمحدثى وأين هى المشكلة فى كل ما سبق قال: المشكلة أنه من الخطورة جدا أن تدخل فى مشاكل وصراعات وخناقات مع قطاعات كثيرة وكبيرة فى نفس الوقت.
لا ينبغى للدولة أن تكون لديها مشكلة مع رجال الأعمال والمصدرين والمصنعين وأصحاب السيارات الملاكى والأجرة والفلاحين والمخالفين للبناء والأزهر فى نفس الوقت.
هو يستدرك قائلا: نحن لا نناقش أهمية تطبيق القانون، فالمخالف «تنقطع رقبته بالقانون»، لكن نتحدث عن توقيت التطبيق، ولا يعنى أيضا أن تؤجل ذلك، لكن من وجهة نظرى، كان ينبغى ألا نجمع كل هؤلاء فى توقيت واحد والأهم طريقة الإخراج.
المعنى الذى يقصده باختصار ضرورة ألا تدخل الدولة والحكومة فى مشاكل مع قطاعات كبيرة ومؤثرة فى نفس الوقت، حتى لو كانت قراراتها وأسبابها صحيحة تريليون فى المائة. وبالتالى كان ينبغى مثلا الانتهاء من قضية تطبيق القانون بشدة على المخالفين، وبعدها مثلا تطبيق تحويل السيارات من البنزين إلى الغاز الطبيعى، خصوصا أن هذا القرار رغم أهميته سيغضب كثيرين، سيضطرون إلى دفع نفقات إضافية فى عملية التحويل، فى وقت هم يعانون بشدة من تداعيات كورونا.
يضيف ولا ننسى أيضا أن هناك قضايا قومية ضاغطة جدا على أعصاب البلد والوطن أهمها التهديدات التركية للأمن القومى المصرى، فى الحدود الغربية، ثم المراوغة والتعنت الإثيوبى فى الوصول لاتفاق عادل بشأن سد النهضة مما قد يؤثر على حقوق مصر المائية التاريخية، إضافة إلى استمرار تحدى الإرهاب والتطرف والقوى التى تتربص لمصر إقليميا ودوليا.
هذه الضغوط والتحديات تتطلب ألا تكون هناك مشاكل أو قلاقل أو مؤشرات غضب داخلية أو على الأقل تقليلها إلى أدنى مستوى ممكن، وعدم تجميعها معا.
أظن أن الفكرة واضحة وتحتاج إلى التأمل والتعامل معها بجدية. حتى لا تتحول إلى «كعب آخيل» يهدد بقية القضايا الكبرى الأساسية.