سواء تنصل من تحمل المسئولية أو ألقى بها على حركة حماس، فإن موت الأسرى الستة الذين تم العثور على جثثهم فى جنوب قطاع غزة قبل أيام قليلة، بات يحاصر رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، الذى يواجه الآن أمواجًا من الاحتجاجات والتظاهرات التى تنظمها عائلات وأقارب الأسرى، ردًا على مراوغة نتنياهو وإفشاله أى مساعٍ لوقف إطلاق للنار يضمن صفقة تبادل للأسرى الفلسطينيين فى سجون الاحتلال مع المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة.
طوفان الاحتجاجات على مراوغات نتنياهو لعدم إبرام اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وصل إلى الاتحاد العام لعمال إسرائيل الذى أعلن الإضراب العام، وهو ما وجد تأييدًا من زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد، فى وقت ضغط فيه وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالانت، على نتنياهو، من أجل التوصل إلى اتفاق، قائلًا: «فات الأوان بالنسبة للمخطوفين الذين قُتلوا.. يجب إعادة المخطوفين الذين ما زالوا فى أسر حماس إلى ديارهم»، حسب تعبير جالانت.
فى المقابل تحصن نتنياهو بحلفائه فى الحكومة من المتطرفين اليمينيين، وواصل عناده وإصراره على استكمال حرب الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين، ليس فى قطاع غزة وحده بل نقل عمليات القتل والتخريب إلى الضفة الغربية، تحت حجة ملاحقة الإرهاب الذى تمارسه قوات الاحتلال، تحت سمع وبصر ما يسمى بالمجتمع الدولى، بحق شعب أعزل، وبغطاء أمريكى مفضوح. فكلما زاد الإخفاق الإسرائيلى فى تحقيق أهداف نتنياهو التى أعلنها بعد عملية طوفان الأقصى فى 7 أكتوبر الماضى، وهى: «تحرير المحتجزين والقضاء على حماس» تسارع الولايات المتحدة إلى مده بالمزيد من الأسلحة والعتاد، والعودة إلى نغمة «قرب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى»، وخروج تصريحات أمريكية تبدى تفاؤلًا فى هذا الجانب ليسارع نتنياهو إلى نفيها.
ونأخذ مثلًا من صحيفة هاآرتس العبرية على هذه اللعبة الممجوجة، التى قالت إن نتنياهو حين تحدث، الخميس الماضى، إلى الرئيس الأمريكى جو بايدن، وأبدى استعداده للتحلى بالمرونة فيما يتعلق بممر فيلادلفيا على طول حدود غزة مع مصر، خرج بعدها مسئول حكومى إسرائيلى معلقًا بأن نتنياهو لم يغير موقفه بشأن الحاجة إلى السيطرة والوجود الإسرائيلى فى ممر فيلادلفيا! وهكذا، تقول الصحيفة، إن نتنياهو أصبح على مر السنين، أستاذًا فى تزييف المفاوضات، حيث يُكثر القول بلا عمل، محذرة من أن رئيس الوزراء الإسرائيلى يشغل الجمهور بآمال كاذبة بعودة الرهائن، بينما يتركهم يموتون رويدًا رويدًا، ويمهد الطريق للفوضى فى الشرق الأوسط ويخلق واقعًا جديدًا على الأرض.
تحولت قضية استعادة الأسرى المحتجزين لدى حماس إلى «كابوس» يطارد نتنياهو فى نومه المتقطع، وسط الضغوط المتزايدة من الشارع الإسرائيلى الغاضب، والذى لم يعد يثق فى حكومته، ويطالب برحيلها. وكلما زادت الكوابيس لا يجد نتنياهو سوى التنفيس بقتل المزيد من الأبرياء الفلسطينيين، الذين اقتربوا من 41 ألف شهيد و95 ألف جريح فى قطاع غزة ونحو 700 شهيد و5600 جريح فى الضفة، منذ بدء العدوان الإسرائيلى فى 7 أكتوبر.
الوضع المأساوى الذى خلفه جيش الاحتلال الإسرائيلى فى غزة لتلبية رغبة نتنياهو للانتقام من هجوم طوفان الأقصى «يتجاوز ما يمكن لأى إنسان تحمله» وفق رئيسة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية بالوكالة جويس مسويا، فـ«المدنيون جوعى وعطشى ومرضى وبلا مأوى، وقد دُفعوا إلى ما هو أبعد من حدود التحمل». مسويا التى طالبت المنظمة الدولية بالتدخل لوقف إطلاق النار بشكل عاجل، وهى تعرض الكارثة الإنسانية التى يعانى منها الفلسطينيون قبل أيام أمام مجلس الأمن، تساءلت: ما الذى حلّ بحسنا الأساسى بالإنسانية؟ ونحن نتساءل مع السيدة التنزانية: لماذا تبلد الحس الإنسانى ليس عند الحكومات والدول الأعضاء فى الأمم المتحدة فحسب بل لدى العرب الأقربين؟!