اعتمدت الأمم المتحدة أول أكتوبر من كل عام يوما للاحتفال بكبار السن الذى بلغ عددهم الآن فى تقديرها عالميا بستمائة مليون. تقليد بلا شك راق إن دل على شىء فيدل على اهتمام العالم بالإنسان فى طور من أطوار حياته.
تبدأ الفكرة دائما بهدف نبيل إما يتطور ليصبح أسلوبا للحياة مفيدا للإنسان ومجتمعه أو تتحول إلى مناسبة اجتماعية يجتمع فيها ذوو النفوس الخيّرة حول المحتفى به مرة فى السنة ثم ينفضون من حوله، وكلهم رضا وإحساس بأداء واجب ينتهى بنهاية اليوم. يحضرنى أمثلة مثل الاحتفال بيوم اليتيم أو أولاد الشوارع. تلك الأيام المفردة التى يحرص الآباء طيبو القلب فيها على حضور أطفالهم للعب مع الأيتام حاملين لهم الهدايا فى يوم يتيم من أيام السنة. ينتهى اليوم ويصحب الآباء أبناءهم لمنازلهم ويبقى الأيتام مع يتمهم إلى العام القادم والذى تصادف أن يكون فى أول شهر إبريل فى بلادنا مقترنا بكذبة إبريل.
بالمصادفة شاهدت برنامجا فى التليفزيون يحتفل بيوم المسنين، الواقع أننى تعلمت البحث عن الخبر فى الإعلام المصرى لأرى كيف يكون احتفال المصريين بيوم كهذا، فلا بيت فى بلدى يخلو من مسن.
كان أول خبر من وزارة التضامن يعلن عن تخفيض قدره خمسون بالمائة فى وسائل المواصلات لمن وصلوا الستين، أما من وصلوا السبعين فلهم مجانا. لم أهنأ بالخبر كثيرا؛ إذ طالعنى على الفيسبوك ملاحظة من أحد النشطاء المعروفين بالدقة والأمانة قائلا: إن التخفيض على وسائل السفر يحتاج فى كل مرة لتقديم طلب للحصول على الاستثناء!
عدت للبرنامج الذى تصدرته سيدة مصبوغة الملامح فى زينة ثقيلة رغم حجابها الأنيق الملون أيضا والتى عرفتها المذيعة بأنها مستشارة فى شئون الأسرة.. بدأت حديثها بطريقة اختيار هدية لكبار السن فأعلنت أن لهذا بروتوكولا خاصا يجب أن يراعيه الجميع، فالهدية يجب أن تكون مناسبة: «المسن ده يعنى إيه.. يعنى واحد بين جدران.. مفيش» يحاسبنى الله سبحانه إن أضفت حرفا أو حذفت آخر.. لكننى والله ما تمنيت إلا أن أنقل بقية الصورة بحذافيرها.. كانت أحاسيس ومشاعر الأسى تكسو ملامحها وهى تتحدث بشفقة وعطف عن المسن المذكور كأنما ليس فى حسبانها أن يطالها ما جرى له من جراء طول العمر إذا أراد الله سبحانه أن تبلغ سنه!
«نشترى.. شنبر نظارة جديد.. أو خف يساعده على المشى.. أو دواء مكانش لاقيه!!».
الواقع أننى لم أجد لدى رغبة على الإطلاق فى المتابعة، لجأت لوسائل التواصل الاجتماعى فوجدت ما زاد من شجونى، حتى الإمارات العربية المتحدة يحتفلون بكبار السن تحت عنوان «أهلا كبارنا.. سادتنا».
كنت أتمنى فى هذا اليوم أن أسمع عن ولو برنامج محدود تتشارك فيه وزارات الصحة والتضامن والمجتمع المدنى لرعاية المسنين فى كرامة. لا أتحدث هنا عن معونات اجتماعية أو معاشات مرتبطة بمناسبة أو أسماء. أتحدث عن مشروع يُبقى على البقية الباقية لدى كبار السن من رغبة فى الحياة والإحساس بأهمية وجودهم فيها. من المؤكد أن منهم الآن من يمتلك خبرات تثرى تجارب مجتمعية كثيرة. منهم أيضا من يمتلك موهبة بدا الاهتمام بها رفاهية لم يسمح بها كفاح لقمة العيش اليومى. منهم أيضا من يتمنى أن يعلّم الصغار صنعة، منهم كثيرون يتمنون فعل الخير ولا يملكون مالا.
نعم أؤيد الاحتفال بيوم كبار السن ولكن أرى أن الفكرة يجب أن تكون غرس رغبة حقيقية فى الحياة بدلا من قضاء الأيام فى انتظار الموت.. الشغف بالحياة والرغبة فى تحقيق أمنيات وأدتها الحياة الصعبة ومعارك الرزق.. فهل هذا بكثير على كبار السن فى بلادى أم أنه بالفعل حلم عصى التحقيق؟