المقصود هو القيود الموضوعية التى تحد من فاعلية هذا التحالف فى مواجهة إيران.
لكننا فى البداية لابد أن نعترف للأشقاء العرب فى جميع دول الخليج بالحق المشروع فى القلق من سياسات إيران فى الماضى والحاضر، ومن طموحاتها فى المستقبل، كذلك لابد أن نقر واجب حكومات دول الخليج فى مواجهة هذه السياسات والطموحات، وردعها بكل الوسائل.
ومع ذلك فيبقى من حقنا ــ كعرب ــ أن نتساءل عن جدوى وحدود كل وسيلة من وسائل مواجهة النفوذ الإيرانى الآخذ فى الاتساع، من حدودها مع أفغانستان إلى شواطئ البحر المتوسط الشرقية فى سوريا ولبنان فى الشمال، وإلى مضيق باب المندب فى الجنوب.
مثلا توشك المواجهة على الأرض السورية أن تنتهى لمصلحة إيران وحلفائها بالكامل، وهو ما يخشى أن يحدث مثله فى اليمن.. والدرس المستخلص هنا هو أن إيران وحلفاءها الإقليميين والدوليين أطول نفسا، وأكثر توحدا فى الرؤية، وأشد تصميما من التحالف الخليجى وحلفائه الإقليميين والدوليين.
على المستوى الدولى كان هذا واضحا من تردد إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما فى التدخل بقوة فى الحربين الأهليتين فى سوريا واليمن، وهو ما استمر أيضا مع إدارة الرئيس الأمريكى (الجديد) دونالد ترامب، أما على المستوى الإقليمى فهذا واضح من الشقاق الذى وقع بين دول مجلس التعاون الخليجى بحصار قطر، ودفعها إلى أحضان إيران المستهدفة بالمواجهة، وإلى أحضان تركيا التى كانت فى الأصل ضمن الحلف الخليجى الأمريكى فى سوريا، كما يتضح من الخلافات والانشقاقات الجارية فى صفوف اليمنيين الذين تدخل التحالف الخليجى لمناصرتهم، ثم يتضح أكثر وأكثر من اعتراف رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها السابق فى حديثه الأخير المطول للتليفزيون البريطانى الناطق بالعربية، عندما قال بالحرف الواحد «إننا تهاوشنا (أى اختلفنا) فضاعت الصيدة» وإنهم هذه تعنى الخليجيين وحلفاءهم الإقليميين والدوليين، والصيدة هى سوريا.
وكما نعلم، وكما كتبنا، وكتب غيرنا من قبل، فقد مات مشروع التحالف السنى تحت الرعاية الأمريكية ضد إيران، فور الإعلان عنه فى القمة الأمريكية /العربية/ الإسلامية فى الرياض فى مايو الماضى.
فى ضوء هذه المعطيات، ما الذى يمكن أن تقدمه إسرائيل لدول الخليج التى تتسارع خطاها نحو التحالف مع الدولة العبرية؟
بالطبع يجب التسليم بأن إسرائيل أكثر دول العالم (خارج منطقة الخليج) تصميما على مواجهة إيران، أو تدميرها إن أمكنها ذلك، وليس طموح إيران لامتلاك السلاح النووى هو السبب الوحيد، وقد لا يكون هو السبب الأهم، ولكن شوكة حزب الله الصلبة المنغرزة فى رأس إسرائيل الشمالى هى السبب الأول والأهم، لأن السلاح النووى يمتلك لتحقيق توازن الرعب وللردع لا للاستخدام الفعلى، أما حزب الله فقد خاض بالفعل حروبا ناجحة ضد إسرائيل، بداية من إجبارها على الانسحاب الكامل أحادى الجانب من الجنوب اللبنانى، فى أخريات القرن الماضى، وحتى سلسلة المواجهات الأخيرة، والتى كان أشرسها وأخطرها حرب 2006، وهى الحرب التى اعترف رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها الأسبق بأن هزيمة إسرائيل فيها كانت السبب فى الخطة الأمريكية لإسقاط النظام السورى، بما أنه هو الحاضنة السياسية لحزب الله، وهو معبر الإمدادات الإيرانية العسكرية للحزب.
فإذا كانت إسرائيل هى الأكثر تصميما على المواجهة النشطة لإيران، وإذا كان هذا التصميم للأسباب السالف شرحها توا هو ما جمع بينها وبين دول الخليج، فما الذى يستطيع الإسرائيليون فعله؟
هنا تظهر الحدود أو القيود: ففى عام 2012 كان بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، قد اتخذ قراره بتوجيه ضربة للمشروع النووى الإيرانى، وجمع مجلس وزراء المصغر أو اللجنة الوزارية الأمنية للموافقة على القرار، ولكنه لم يحصل على هذه الموافقة، لأن رئيس أركان الجيش، ورئيس جهاز الموساد، ورئيس جهاز الشين بيت (الأمن الداخلى) اتفقوا جميعا على رفض القرار، ولذا امتنع بقية الوزراء عن تأييده، وكانت الأسباب العسكرية للرفض هى توقع خسائر ضخمة فى شمال إسرائيل من صواريخ حزب الله، وأنه يتعين القضاء على هذا الحظر قبل ضرب إيران.
ولن تستطيع إسرائيل القضاء على خطر حزب الله بالغارات الجوية، أو بعمليات كوماندوز محدودة، ولكن سيكون عليها أن تجتاح كل لبنان، أو معظم أراضيه حتى بيروت؛ حيث يوجد المعقل الأساسى لحزب الله فى ضاحيتها الجنوبية، وبما أن الغزو الإسرائيلى للبنان عام 1982، كان هو السبب المباشر لتأسيس حزب الله، وتحويل الأغلبية الشيعية المهمشة إلى «قوة ضاربة»، فما الذى سيؤدى إليه اجتياح جديد من تطورات سياسية، فضلا عن تقديم القوات الإسرائيلية فريسة سهلة لميليشيات الحزب فى أرضها، إلا إذا قررت إسرائيل إحراق لبنان بالكامل، ومسحه من الوجود، ورغم أنها تستطيع ذلك «فنيا»، لكن ليس مسموحا به دوليا، بل إنه ربما زعزع استقرار حلفاء إسرائيل الجدد من العرب داخل بلدانهم.
أما السبب السياسى لرفض اللجنة الوزارية الأمنية الإسرائيلية قرار نيتنياهو فى عام 2012 فكان هو أن قرارا كهذا يتخذ فى واشنطن وليس فى تل أبيب، لأن مضاعفاته الإقليمية سوف تلحق أضرارا جسيمة بالمصالح الأمريكية، والدولية فى منطقة الخليج، من تهديد أوضاع الدول داخليا، إلى إغلاق مضيق هرمز، وربما إلى ضرب المنشآت البترولية فى المنطقة.
كان هذا هو الوضع فى عام 2012، فهل تغيرت الموازين الدولية والإقليمية لتسمح بالضربة الإسرائيلية لإيران فى عام 2017؟ أو هل يمكن أن تتغير فتسمح بهذه الضربة فى الأعوام القليلة المقبلة؟
الإجابة هى أن العكس تماما هو ما حدث.. صحيح أن ترامب يبدو أكثر تصميما من أوباما على مواجهة إيران، ولكن ليس إلى حد توجيه ضربة أمريكية مباشرة إلى منشآتها النووية، أو السماح لإسرائيل بتوجيه هذه الضربة، ثم إنه يلقى معارضة قوية جدا وإجماعية للانسحاب من الاتفاق النووى مع إيران من بقية الشركاء الدوليين، كما يلقى مثل هذه المعارضة فى الداخل الأمريكى ذاته.
كذلك فإن إيران اكتسبت مزيدا من النفوذ، ومن ثم التسهيلات ومعها حزب الله من جراء تحول ميزان الحرب والسياسة لصالحها فى سوريا، حتى أن التقارير الإسرائيلية نفسها تتحدث عن امداد إيران للحزب بمصانع لإنتاج الصواريخ، وليس فقط بصواريخ جاهزة الصنع، كما تتحدث هذه التقارير عن امتلاك حزب الله حاليا لما يقرب من 130 ألف صاروخ، لن تمنع القبة الحديدية الإسرائيلية المضادة للصواريخ أعدادا كبيرة منها من الوصول إلى أهدافها.
وبالطبع لا تزال الأخطار على المصالح الأمريكية والدولية فى منطقة الخليج ماثلة، بل إنها تزايدت أيضا بحصول إيران على موطئ قدم قرب مضيق باب المندب.
الخلاصة أن التحالف الخليجى الإسرائيلى ليس مجديا ولا فاعلا من الناحية العسكرية، وتقتصر جدواه على التعاون السياسى والتدريبات المشتركة والعمليات المخابراتية، خاصة تنشيط القوى المناوئة لإيران فى الداخل الأمريكى.
وما دامت المواجهة ستكون سياسية بالدرجة الأولى، فالأغلب على الظن إحياء سياسة الاحتواء الأمريكية التى سبق أن جربت ضد إيران، والتى ظلت سارية طوال عهود كارتر وريجان وبوش الأب وكلينتون، وأسقطها بوش الابن بحديثه المشهور عن «محور الشر»، ثم حاول أوباما إحياءها.
عند هذه النقطة نظن أن على الأخوة فى الخليج أن يتريثوا قليلا فى الاندفاع نحو تل أبيب، وأن لا يتورطوا فى ترتيبات اقتصادية وسياسية تجعل لإسرائيل اليد العليا والطولى فى المنطقة على حسابنا جميعا، كما نظن أنه يجب عليهم اتخاذ المبادرات الداخلية والإقليمية لرأب الصدوع الكثيرة فى داخل مجتمعاتهم، وبين دولهم، إذ إن هذه الصدوع هى أكثر ما ينفذ منه التدخل الإيرانى.
أما إيران فيتوجب عليها أن تدرك أن تهديداتها المستمرة لاستقرار دول الخليج، وتدخلها فى شئونها هو السبب الأقوى والأوحد لاندفاع هذه الدول نحو إسرائيل، فهل ستواصل قوى التطرف المذهبى فى إيران هذه السياسة، حتى يأتى اليوم الذى نرى فيه بعض العرب يحتفلون هم أنفسهم بذكرى وعد بلفور؟! وهل التناقض المذهبى بين إيران، ودول الخليج أقوى وأشمل من التناقض مع الصهيونية؟! وهل نسى هؤلاء وأولئك أن حماقات صدام حسين هى التى أعادت القواعد العسكرية الأجنبية إلى الخليج؟
ألا من مبادر أو مبادرين من إيران، يستجيب لهم نظراؤهم الخليجيون؟
فى رأينا أن «المربع الذهبى» المكون من مصر والسعودية وتركيا وإيران هو الأحق والأقدر على قيادة المنطقة، وفى حالتنا هذه ننتظر الخطوة الأولى من طهران.