يوم الأحد الماضى قال جيك سوليفان مستشار الأمن القومى الأمريكى: «إننا لسنا طرفا فيما يحدث فى سوريا، وقواتنا هناك لمحاربة داعش. ولا نعتقد أن ما يحدث يشكل خطرا إضافيا عليها، ونراقب عن كثب ما يحدث ونحن على تواصل مستمر مع شركائنا بالمنطقة».
طبعا لم يفوت سوليفان وغيره من المسئولين الأمريكيين فرصة الشماتة، وقال إن «نظام الأسد يعانى على الأرض، وإنه يدفع ثمن أخطائه ورهانه على روسيا وإيران».
أما أطرف ما قاله سوليفان فهو أن بلاده قلقة لأن «هيئة تحرير الشام» المصنفة إرهابية لها دور فيما يحدث.
وعلى نفس المنوال فإن غالبية المسئولين الأتراك قالوا أيضا إنهم فوجئوا بما حدث، وليس لهم أى دور فى الأحداث.
هم أيضا مثل أمريكا يحملون الأسد ونظامه مسئولية الأحداث الأخيرة بعدم الالتزام باتفاق آستانة وعدم الالتزام بتنفيذ القرار رقم ٢٢٥٤ الصادر عام ٢٠١٥ ومواصلة قصف مواقع المعارضة فى إدلب.
ما تقوله أمريكا وتركيا أقرب إلى الفكاهة منه إلى الجد، فإذا لم يكن لهما دور فمن الذى يدعم المتطرفين إضافة لإسرائيل؟!
فالطرفان ومعهما إسرائيل هما الأكثر فاعلية وتأثيرا فى المشهد السورى، إضافة إلى روسيا وإيران، فى حين أن موقف النظام السورى شديد الضعف، وحليفه الأساسى حزب الله اللبنانى تعرض لضربة عنيفة فى لبنان وإمكانية تحركه لدعم الأسد مشكوك فيها بالنظر إلى شروط وقف إطلاق النار الأخير.
الولايات المتحدة لها قوات فى سوريا منذ أكثر من عقد. هى ذهبت إلى هناك بحجة محاربة تنظيم داعش وبقية التنظيمات الإرهابية، لكنها عمليا كانت أحد أهم داعمى هذه التنظيمات.
بعض البسطاء تساءلوا ذات يوم: إذا كانت أمريكا تحتل مناطق فى سوريا لمحاربة التنظيمات الإرهابية، فلماذا تركت هذه التنظيمات ولم تحاربها علما بأنها تصنف داعش، وهيئة تحرير الشام منظمات إرهابية؟!
الكاتب الأمريكى المعروف فى نيويورك تايمز توماس فريدمان تولى الإجابة عن هذا التساؤل البسيط فى أحد مقالاته قبل سنوات بقوله: ولماذا نحارب داعش والقاعدة فى سوريا ونقدم هدية مجانية للأسد ونظامه ولسوريا وروسيا؟!
أحد أهم أهداف وجود القوات الأمريكية فى سوريا هو مراقبة الحدود بين سوريا والعراق لمنع تدفق الأسلحة والمقاتلين من إيران والعراق إلى سوريا ولبنان، وأيضا للتأثير فى المشهد السياسى السورى باستخدام ورقة الأكراد أو قوات «قسد» للتحرش بالنظام السورى.
أمريكا تصنف القاعدة أو النصرة أو «هيئة تحرير الشام» منظمة إرهابية، لكن الواقع على الأرض أن الطرفين يتعاونان معا لابتزاز النظام السورى، بالتعاون مع تركيا، ولم نرَ رصاصة أمريكية واحدة تطلق على «هيئة تحرير الشام» منذ سنوات.
وكثيرون يتساءلون من أين وصلت الأسلحة الحديثة إلى الإرهابيين فى سوريا الذين شنوا بها الهجوم الأخير على حلب وحماة؟!
نفس الأمر ينطبق على تركيا، هى تنفى صلتها بالأحداث، فى حين أنها هى الراعى والمحرك والداعم الرئيسى لهيئة تحرير الشام وعشرات التنظيمات المنضوية معها وجميعهم يسيطرون على أغلب مناطق محافظة إدلب شمال غرب سوريا.
ومن الملفت للنظر أن وزير الخارجية التركى هاكان فيدان قال إنه من دون الدعم الأمريكى، فإن هذه التنظيمات السورية لا يمكن أن تستمر حية لثلاثة أيام. لكنه نسى أن يقول أيضا أنه من دون الدعم التركى والأمريكى والإسرائيلى فإن الإرهابيين الذين يحاربون الجيش السورى الآن لا يمكن أن يستمروا على قيد الحياة لمدة ثلاث ساعات من دون هذا الدعم!
التطورات الأخيرة جعلت كلا من أمريكا وتركيا تملكان العديد من الأوراق الجديدة التى يمكن بها ابتزاز نظام الأسد لتغيير مواقفه، بل ربما ومحاولة إسقاطه.
الغريب أن أردوغان كان يشكو قبل أسابيع قليلة ويقول إن محاولة إسرائيل إسقاط نظام الأسد ستجعل القوات الإسرائيلية على حدود تركيا والسؤال الموجه إلى أردوغان وحكومته: هل لديكم ثقة كاملة فى «هيئة تحرير الشام» وبقية المنظمات الإرهابية؟! ألا تخشون أن تكون كلمة سرها فى واشنطن وتل أبيب ولماذا تساعدونها بهذه الطريقة الخطيرة التى ستدفعون ثمنها لاحقا؟!
اختلفوا كما تشاءون مع نظام الأسد، لكن لا تحضروا الثعابين على حدودكم.
السؤال الأخير: إذا كانت تركيا وأمريكا تنفيان صلتهما بما يحدث فى سوريا، فمن الذى يفعل ذلك، هل هو الشيطان فقط؟!