عدالة أى قضية تغرس فى النفس يقينا بالقدرة على تحقيقها.
هذا ما دفعنى للكتابة الأسبوع الماضى وعاد ليدفعنى للكتابة مرة أخرى هذا الأسبوع. علَّ القارئ الكريم يذكر أننى قد كتبت عن رغبة معهد القلب القومى فى التعاون مع مؤسسة ليلة القدر فى إنشاء عيادة للأسنان كخدمة مجانية لمرضى القلب الذين يجب أن يخضعوا لكشوف دورية على الأسنان لما لذلك أهمية وقائية قصوى وذكرت أن هناك بعض الصغائر الإدارية تحول دون ذلك.
جنح بى الخيال فتصورت أن التوجيهات ستصدر من كل الجهات الرسمية ذات الصلة بتيسير الأمور والتأكد من أن الأمر محل تنفيذ، لكن أحلامى تبخرت فى خلفية المشهد الذى يبدو أنه لم يلفت نظر أحد ولا استرعى اهتماما.
أما على أرض الواقع فقد جاءنى رد السيد الأستاذ مدير الهيئة العامة للمستشفيات التعليمية برفض نشر الإعلانات عن دعم معهد القلب القومى فى جريدة «الشروق» والذى درجت إدارة الجريدة على إهدائه مجانا لنا فى شهر رمضان. هذا والحق يقال هو الإعلان الوحيد الذى يضع اسم معهد القلب القومى على قائمة اختيارات المصريين للدعم. حَمَلَت إلىَّ الرد الأستاذة الدكتورة رئيسة لجنة التبرعات بالهيئة وهى بالفعل موظفة عامة مصرية من طراز رفيع دائما ما تجدها تساندك بالرأى وشرح الأمور. لكنها اكتفت هذه المرة بأن القرار هو التوقف تماما عن الإعلان بأى صورة من الصور عن الدعوة لدعم المستشفيات.
أرجو ألا يتصور أحد أننى أشكو أو كما يشار أحيانا إلى الاستقواء بالإعلام أقسم بالله لا هذه ولا تلك كل ما فى الأمر أننى قد ضاق صدرى بسؤال: هل الحكومة ضد جهود المجتمع المدنى فى مجالات الصحة؟ على حد علمى فإن السيد رئيس الجمهورية يشجع الأمر ويسانده فمن ضده؟
كلنا سمعنا عن الاتحاد الأهلى للجمعيات والمؤسسات الخيرية فما اعترض أحد ولا مانع ولكن هل تلك مقدمة لأن تلغى الحكومة كل مساهمات المؤسسات والجمعيات الخيرية لمؤسسات الدولة الخدمية مثل المستشفيات والمدارس وتقصرها على هذا التحالف دون غيره؟.
ربما كانت الدولة محقة بعد أحداث متعددة لتجاوزات ومخالفات مالية أعلن عنها فى مؤسسات بعينها. ربما بالفعل كان حديث جمع الأموال والتبرعات حديثا شائكا لكننا فى معهد القلب لا نقبل إلا المستلزمات التى يشتريها المتبرعون بأنفسهم ولا دخل لنا بأموال ولم يحدث أن دعونا لذلك.
معهد القلب القومى فى الواقع يتمتع بتركيبة نفسية فريدة تجمع أطباءه وموظفيه وعماله فى عقد واحد من التكافل النفسى.
لا أظن أن أيام الكرب والكورونا إلا أياما أكدت أصالة تلك الصورة واضحة المعالم: ما زال فى وجدانى صوت أخى وزميل مهنتى يسرى كامل يأتينى من ميدان العتبة وقد نزل بنفسه ليشترى «شنطة ظهر» لكل زميل من أبنائنا يستعد للسفر للعمل فى مستشفيات الصعيد للعزل وهو يسألنى «سعرها كويس كده يا أختى ولا أشوف واحد تانى» وكان علىَّ أن أعد احتياجات تلك الحقيبة التى سيستخدمها أبناؤنا فى فترة مهمتهم الصعبة فى مستشفيات العزل ولعلى أستشهد بهم يوما.
هناك مهام كثيرة يدفعنا ولاؤنا لهذا المكان أن نقدم عليها دون انتظار جزاء أو شكر من أحد.
هل فيما أقول شىء غير واضح أو غير مفهوم؟
معهد القلب القومى بحاجة إلى إعادة النظر فى التأصيل لعلاقة شراكة بينه وبين المجتمع المدنى تحقق الأمل فى إحياء مشروعات علمية لها مردود على الخدمة الطبية التى يؤديها المعهد الآن فى ظروف بالغة الصعوبة.
نحن مع الدولة بلا شك نعمل: لدينا العلم ولدينا الخبرة ولدينا الأفكار ولدينا القدرة على التنفيذ بمشاركة المجتمع المدنى.
نحن فقط ننتظر.. الإذن.