انتبه.. الدولة ترجع إلى الخلف - محمد سعد عبدالحفيظ - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 4:29 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انتبه.. الدولة ترجع إلى الخلف

نشر فى : الأحد 3 مايو 2015 - 9:25 ص | آخر تحديث : الأحد 3 مايو 2015 - 9:25 ص

مع مطلع الألفية الجديدة أدرك كهنة نظام مبارك أن إغلاق المجال العام والاستمرار فى سياسة تكميم الأفواه ستنتهى حتما بانفجار يطيح بهم وبدولتهم، فلجأوا إلى سياسة «الباب الموارب» وسمحوا بثغرة ينفذ منها المعارضون إلى قاعة البرلمان وشاشات الفضائيات، فتحولت المعارك السياسية بين أركان دولة مبارك ومعارضيهم تحت القبة وفى استوديوهات القنوات التليفزيونية إلى أداة للتنفيس عن حالة الغضب، التى امتدت إلى معظم فئات المجتمع المصرى.

«سياسة التنفيس» أطالت عمر نظام مبارك الهش رغم تآكل معظم أجهزته ومؤسساته من الداخل، وصار رصيده لدى المواطن صفرا فى معظم الملفات الأساسية «أمن.. اقتصاد.. تعليم.. وصحة وغيرها»، تلك الأصفار جعلت استمرار النظام من رابع المستحيلات.

فى نهاية 2010 انقلب صبيان الوريث جمال مبارك على قواعد كهنة معبدالأب، فقرروا خنق المجال العام وسد الثغرة، التى فتحها أسلافهم لينفذ منها المعارضون إلى البرلمان والإعلام، فزاد الغليان وتصاعد الغضب من تحت الرماد ليصل إلى السطح حتى أطاح برأس الدولة فى 11 فبراير 2011.

بعد ثورة يناير وفى غياب شبه كامل لمعظم مؤسسات الحكم، انتقل الإعلام من لعب دور «المُنفس» إلى «المُوجه» وبفعل السيولة التى أصابت الأجهزة تحول الإعلام فى أحيان كثيرة إلى صانع للحدث، وهو ما دفع اللاعبين الكبار إلى السعى للسيطرة على روافده الفضائية والمطبوعة والإلكترونية.

الإعلام الذى أمد عمر نظام مبارك لسنوات، ساهم بشكل أو بآخر فى قصف عمر نظام الرئيس الإخوانى محمد مرسى قبل أن يمر عليه عام فى السلطة، ويبدو أن النظام الحالى لم يتعلم من دروس الماضى شيئا، فلا هو أشرك حلفاء 30 يونيو فى بناء الدولة التى وعد بتأسيسها على أنقاض حكم الإخوان، ولا ترك ثغرة لمعارضيه يعبرون من خلالها عن غضب الشارع المكتوم من بعض السياسات، بل وفتح الباب لكتائب المتطوعين لنهش كل من تسول له نفسه بنقد سياسات الرئيس وقرارته.

لم يضع النظام الجديد بنية تشريعية تسمح بتأسيس برلمان يشاركه السلطات التى نص عليها دستور 2014، فقوانين الانتخابات التى أعدتها حكومة محلب سينتج عنها برلمان لن يختلف كثيرا عن مجلس شعب 2010، الذى دق المسمار الأخير فى نعش نظام حكم مبارك، وجر رجال الوريث إلى مصيدة الثورة، وتحول الإعلام من آلة للتنفيس إلى سكين لتشويه الشركاء قبل المعارضين، وأداة لتخدير المواطن وإخراجه من المعادلة، فاستبدل النقاش السياسى بوصلات رقص وهلس فضائى، وحلت برامج مسابقات الغناء والرقص بديلا عن فقرات الرصد والتحليل، وأصبحت صحافة النميمة والشائعات هى الأصل، بعد جفاف العملية السياسية.

بعد توقيعه على وثيقة نقل السلطة من سلفه المستشار عدلى منصور قال الرئيس السيسى، فى حفل تنصيبه بقصر القبة قبل 10 أشهر «إننى من المؤمنين بالتعلّم من التجارب السابقة دون تكرار للسيئ»، مؤكدا أنه سيحافظ على حقوق الفقراء والغلابة، ووعد بأن تسير منظومة حكمه «طبقا لحرية الفكر والإبداع، الذى يؤمن ويحافظ على الانفتاح»، مشيرا إلى أن مصر الجديدة ستستفيد من تجارب الماضى غير مكررة له.

لا يمكن لنظام أن يستمر دون إنجاز حقيقى وملموس، والإنجاز الأهم بعد ثورة كبيرة هو بناء مؤسسات الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة. خنق المجال العام وإغلاق المنافذ السياسية يعجل بالانفجار، وتفريغ طاقة الغضب يمد أجل الأنظمة لشهور أو سنوات لكنه لا يحصنها.

التعليقات