«اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ذهب الظمأ وابتلت العروق، فالحمد لله رب العالمين». بداية دعاء بديع اعتدنا ترديده وراء أبى ــ رحمة الله عليه ورضوانه ــ قبل أن نبدأ إفطارنا فى أيام الشهر الكريم. لقى أبى وجه ربه الكريم، لكنى مازلت أحفظ عنه الكثير من الأدعية التى تنساب فى ذاكرتى دون جهد يذكر، كلما ألمَّ بى حدث أو حاصرنى موقف.
ذهب الظمأ.. وابتلت العروق ما أبلغها من صفات الحالة الفسيولوجية ينتهى إليها الصائم بعد امتناعه عن الطعام والشراب لمدة قد تصل إلى خمس عشرة ساعة يوميا. الامتناع عن الطعام أمر لا يخل بمنظومة الهدم والبناء خلال تلك الساعات، أما الامتناع عن شرب الماء ففيه بالفعل ظمأ يستشعره الإنسان وتعانى منه الخلايا والأنسجة وتتأثر به كل العمليات الحيوية فى الجسم سواء المنتجة للطاقة أو المستخدمة لها.
الماء هو أهم ما يجب أن يلتفت إليه عند الصيام. الماء لا نعنى به المشروبات المحلاة بالسكر أو الشاى والقهوة أو حتى العصائر، هى كلها سوائل وليست الماء، لكن كل منها أيضا له خواص وتفاعلاته وتركيزاته. لذا يظل الماء على بساطته هو القصد.
ثمانية أكواب من المياه النقية هى الحد الذى يجب أن يستوفى لنا بعد ذلك أن نزيده إما من السوائل والعصائر المختلفة والشاى والقهوة، أو من الطعام: الحساء بأنواعه أو الخضراوات وأهمها الخيار والخس والكرفس ثم الفاكهة مثل البطيخ والكنتالوب إلى جانب اللبن بالطبع.
يمثل الماء سبعين بالمائة من جسم الإنسان لهذا لا يستطيع الإنسان الحياة بدونه إذ يدخل فى كل الوظائف الحيوية التى يقوم بها الجسم.
الماء يساعد الإنسان على طرد السموم من الجسم، لذا فهو وقاية طبيعية من أمراض الكلى والكبد والقلب. أهمية الماء تدعونا لتدبر الأمر بحكمة، فعلينا أثناء فترة السماح ما بين المغرب والفجر أن نوالى شرب الماء على فترات تسمح برى الجسم وأنسجته بصورة لا تزيد من معاناة الظمأ. علينا أن نتذكر تلك الفتوى العربية التى طلع علينا بها أحد رجال الدين الإيرانيين ليبيح فيها شرب الماء خلال ساعات صيام الشهر الكريم.. كانت حجته أن «الضرورات تبيح المحظورات» وأنه «يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر». لا يعنى هذا بالضرورة أننى أوافقه فى الرأى لكنى أردت بذكره أؤكد أن المياه أمر مهم للغاية استدعى اجتهاد أحد رجال الدين وإن راجعه العموم.
إذن فنعمل على أن «تبتل العروق» بمعنى أن نرتوى بالصورة التى تسمح للدم أن يتدفق فى الشرايين والأوردة فى همة ونشاط يحفظ علينا طاقتنا فلا يتلكؤ وتزيد كثافته الأمر الذى يعرضنا للإصابة بالجلطة خاصة لدى كبار السن.
الجوع والظمأ صنوان.. لكن الظمأ بلاشك أخطر من الجوع، فلنحسن الصوم إن شاء الله ونهتم بالماء ولا ننسى أن سبحانه خلق منه كل شىء حى؛ ليرينا آية أن الماء قد يكون الأمر الوحيد المرتبط بالحياة.
صومًا مقبولا إن شاء الله..