أمريكا وإسرائيل يد واحدة؟ - نبيل فهمي - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 5:14 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أمريكا وإسرائيل يد واحدة؟

نشر فى : الإثنين 3 مايو 2021 - 8:25 م | آخر تحديث : الإثنين 3 مايو 2021 - 8:25 م
‏لا يختلف أحد على أن علاقات الولايات المتحدة مع إسرائيل ظلت لمدة طويلة أقوى من علاقتها ‏مع دول المنطقة، رغم تباين المواقف بين الحين والآخر، مثل الاعتداء على السفينة الأمريكية ليبرتى عام ١٩٦٧، وغضب وزير الخارجية الأمريكى السابق جيمس بيكر من عرقلة إسرائيل لجهوده لعقد مؤتمر مدريد للسلام فى أوائل التسعينيات ومضيها فى بناء المستوطنات غير المشروعة، مما جعله يعلن أن إسرائيل تعلم رقم هاتفه وأن عليها استخدامه إذا أرادت مخاطبته بجدية، كما شهدنا امتعاضة إسرائيلية من توصل الرئيس باراك أوباما وخمس دول أخرى الاتفاق النووى مع إيران، ‏وهو الاتفاق الذى انسحب منه لاحقا الرئيس دونالد ترامب.
نجاح إسرائيل فى بلورة وتوطيد تلك العلاقات لم يكن لتبنيها السياسات الأمريكية فى الشرق الأوسط فى المقام الأول، وإنما يرجع نجاحها لتوغلها فى المنظومة السياسية الداخلية ‏بكفاءة عالية ودهاء مثير للاهتمام، وأولى تلك الخطوات كانت تحفيز الجالية الأمريكية اليهودية ومؤيديها عامة مع تركيز خاص على   اليمين المسيحى على الانغماس بشكل كامل فى المنافسات الانتخابية الأمريكية، وعلى مختلف المستويات فى مجالس محلية وفيدرالية بالترشح للمناصب المتاحة أو بالإسهام فى حملات المرشحين بالجهد والتبرعات، ‏ولم يغفل مؤيدوها بذل جهود ‏للتأثير إيجابيا أو سلبيا على الانتخابات فى ولايات غير معنية كثيرا بالعلاقات الخارجية، بغية تشكيل كتل نيابية تقف وتصوت وتشرع لصالح الأهداف والمواقف الإسرائيلية، وأجاد هؤلاء والمسئولون الإسرائيليون مخاطبة الرأى العام الأمريكى، للتأكيد على الحقوق الإسرائيلية وأهميتها للولايات المتحدة، حتى حينما لم تطابق مواقفهما.
‏ ووصل الأمر وبشكل ملفت للغاية أن يكون استقبال رؤساء وزراء إسرائيل فى الكونجرس ‏الأمريكى بحماس شديد ويتجاوز حتى الحماس الذى يستقبل به الرئيس الأمريكى ذاته، وأصبح ذلك مشهدا معتادا، لم يستثار ‏منه الرؤساء الأمريكيون إلى أن تولى بيبى نتنياهو منصب رئيس وزراء إسرائيل، لشروعه فى تجاوز حتى الحد الأدنى من ‏القواعد البروتوكولية، وهى أن يبلغ الضيف الأجنبى ‏مضيفه الأمريكى ‏بنيته مخاطبة الكونجرس مجتمعا.
‏ تجاوز نتنياهو هذه القواعد وأكثر من ذلك بكثير، عندما خاطب الكونجرس الأمريكى فى عهد أوباما ليحذره من ‏سياسات للرئيس الأمريكى ‏بخصوص إيران، سعيا لتشجيع ‏الكونجرس على عرقلة جهود وإفشال سياسات الرئيس الأمريكى، مما أثار أوباما بشدة وخلق جفافا شديدا بينه ‏وبين رئيس وزراء إسرائيل، وأتذكر مقولة مسئول أمريكى لى فى العام الأخير لولاية أوباما أن رئيسه غاضب بشدة من عجرفة وتصرفات نتنياهو، ويعتزم إعطاءه صفعة قبل نهاية ولايته.
‏ هدأت الأمور كثيرا خلال رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة، لتبنى السياسات المؤيدة لمواقف اليمين الإسرائيلى بل ومشجعة له، منها الانسحاب من الاتفاقية النووية المبرمة بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية فى مجلس الأمن وألمانيا، واتخذ مواقف موالية بشدة ‏لإسرائيل فى سياق ما يسمى بخطة ترامب للسلام الإسرائيلى ‏الفلسطينى خطة تتجاهل الحق الفلسطينى، واستثمر نتنياهو ذلك فى حملاته الانتخابية المتعددة خلال العامين الماضيين، إلا أنها لم تحسم الأمور فى صالحه بشكل ثابت.
لم يطول شهر العسل بين اليمين ‏الأمريكى واليمين الإسرائيلى كثيرا بعد أن فقد ترامب ‏مقعد الرئاسة، وانتخب جو بايدن ‏نائب أوباما رئيسا للبلاد، والذى أكد مرارا خلال حملته الانتخابية عزمه إعادة أمريكا سريعا إلى الاتفاق النووى، وخلق هذا التطور الانتخابى الأمريكى تحالفا ضمنيا غريبا وصداما محتملا استثنائيا‏، بين اليمين الإسرائيلى واليمين الإيرانى واليمين الأمريكى، للعمل على إفشال إعادة إحياء الاتفاق النووى، ومن دراسة التسريبات الأخيرة على لسان وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف الناقدة للقطاع الأمنى والعسكرى فى بلاده، والتى تهدف إلى وضعه فى موقف الدفاع عن النفس وتقييد حركته التفاوضية، وهناك أيضا  ردود الفعل السلبية لبعض النواب الأمريكيين الجمهوريين ‏وانتقاداتهم لمواقف جون كيرى وزير الخارجية السابق، والذى يتولى شئون البيئة فى الإدارة الأمريكية الحالية، بحجة أنه اتخذ موقفا سلبيا لإسرائيل فى المفاوضات، وأبلغ ظريف بمواقع إيرانية استهدفت عسكريا من جانب إسرائيل.
‏ أما الصدام المحتمل فهو ليس بين أمريكا وإيران، وإنما بين أمريكا ورئيس وزراء إسرائيل تحديدا، ولأسباب تتجاوز كثيرا القواعد البروتوكولية أو حتى تدخله غير المشروع فى المنظومة السياسية الأمريكية، والصدام بالغ الحساسية يتعلق ‏بسياسات إسرائيلية متكررة أو متعمدة لإفشال الجهود التفاوضية فى فيينا  حول الاتفاق النووى بجميع الطرق والوسائل المتاحة، بما فى ذلك داخل الحدود الإيرانية، مثل اغتيال العلماء أو التعرض لمفاعل ناتانز والهجمات السرية على إيران‏، سياسات إسرائيلية خشنة لاستدراج إيران إلى رد فعل عسكرى يفرض على الولايات المتحدة ‏التدخل العسكرى، وهو آخر ما تريده الآن لشعورها بالإرهاق الشديد من تعدد العمليات العسكرية الخارجية خلال العقدين الماضيين، فضلا عن رغبة الإدارة التركيز على الشئون الداخلية الأمريكية إزاء مجتمع منقسم ومتوتر ومهدد من جائحة الكورونا والمتأثر بالتداعيات الاقتصادية لهذا الوباء.
 هل يكون تباين المصالح الأمنية الأمريكية والإسرائيلية حول إيران حافزا لمراجعة ومصارحة مؤسسة أمريكية، بعد أن بات واضحا أن مصالحها ليست بالضرورة متطابقة والمصالح الإسرائيلية على الدوام، بل إن موقف اليمين الإسرائيلى قد يتعارض صراحة مع المواقف الأمريكية، وتصرفاته تعكس عدم اكتراث هذا التيار بالمصالح الأمريكية مراجعة محتملة بعدما تعددت التدخلات الإسرائيلية فى المنظومة السياسية الأمريكية، وجعلت بعض أعضاء الكونجرس يقترح وضع شروط على المساعدات الأمريكية لإسرائيل، لا أتوقع أن نشهد تغييرا سريعا فى العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، لضخامة وتشعب شبكة الاتصالات السياسية بينهما، وإنما لا أستبعد أن يجرى تقويما جزئيا للدعم التلقائى الذى يوفر لإسرائيل، وأن تكون هناك أذن صاغية لذلك إذا استمر نتنياهو رئيسا للوزراء، بعدما تجاوز فى ممارساته مع السياسيين والعسكريين فى آن واحد، وفى ظل تحفظ أغلب التيارات السياسية الأمريكية على الانغماس فى عمليات عسكرية جديدة، وعلى وجه الخصوص فى الشرق الأوسط، وهو موقف يشمل المنظومة العسكرية والأمنية الأمريكية، المرتبطة بقوة بإسرائيل، وإنما الأقل صبرا فى تحمل أى تجاوزات تتعارض مع المصلحة الأمنية الأمريكية، وسبق لها أن وقفت ضد إسرائيل بقوة، إلى أن فرضت عليها إلغاء صفقات سلاح إلى الصين تعتمد على التكنولوجيا العسكرية الأمريكية.
نبيل فهمي وزير خارجية مصر السابق، والعميد المؤسس لكلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات