شهدت الولايات المتحدة العديد من الاغتيالات السياسية على مدى تاريخها القصير، ولم تتوقف هذه الظاهرة خلال معظم حقب التاريخ الأمريكى. وراح ضحية هذه الاغتيالات عدد من الرؤساء، وعدد من الوزراء وعدد من أهم زعماء حركة الحقوق المدنية من السود. وببساطة يمكن تعريف الاغتيال بأنه قتل أحد الأشخاص المستهدفين لغرض سياسى، ويقوم بتلك الجريمة قاتل يحمل أجندة سياسية أو أيديولوجية معينة.
***
اغتيل الرئيس السادس عشر لأمريكا أبراهام لينكولن عام 1865، وكان أول رئيس أمريكى يغتال فيما تعد أشهر حادثة اغتيال فى التاريخ الأمريكى كذلك. وتساءل كثيرون إذا ما كان هناك نوع من المؤامرة وراء الاغتيال، التى لم تكن سرا بين من نظروا إلى الرئيس لينكولن كمصدر تهديد لهم.
كان لينكولن قائدا للجيش الاتحادى الشمالى خلال الحرب الأهلية ضد الجنوبيين الداعيين للكونفيدرالية من أجل الاحتفاظ بالعبيد. وبمجرد انتخاب لينكولن واعلانه النية على القضاء على نظام العبودية، بدأ فى تسلم خطابات تهديد تحذره من مؤامرات اغتيال تحاك ضده. واغتيل لينكولن خلال عرض مسرحى ليلى على مسرح فورد بالعاصمة واشنطن دى سى، بعد مضى خمسة أيام فقط على انتهاء الحرب الأهلية باستسلام قائد الجيش الجنوبى الكونفيدرالى روبرت لى. وحلم قاتل الرئيس أن تحدث بلبلة نتيجة لاغتيال الرئيس تؤدى لإضعاف الحكومة الأمريكية والاتحاد بدرجة كبيرة سوف تسمح بانفصال الجنوب.
وكان جيمس جافيلد الرئيس العشرين لأمريكا ثانى رئيس يتم اغتياله عام 1881 بمحطة السكك الحديدية بواشنطن عن طريق المحامى كارلوس جيتو الذى كان غاضبا بعد أن رفض طلب تعيينه كسفير للولايات المتحدة فى فرنسا. وبعد ذلك اغتيل الرئيس الخامس والعشرين وليام ماكينلى عام 1901 عندما أطلق الفوضوى ليون كازلجوسز الرصاص عليه أثناء تحيته لمؤيديه فى حفل استقبال بمعرض لدول أمريكا اللاتينية. وخلال فترة حكمه اعتبر البعض من الحركة الفوضوية أن الرجال والنساء فى مناصب السلطة العليا هم رموز لحكومة ظالمة، وأصبح رجال السلطة كلهم أهدافا لهم. وكان الرئيس الخامس والثلاثين جون إف كينيدى هو آخر من اغتيل من الرؤساء عام 1963، وقتل خلال سير موكبه بمدينة دالاس بولاية تكساس وسط جمع غفير من المواطنين اصطفوا لتحية الرئيس وزوجته أثناء مرور سيارتهما المفتوحة فى الشوارع. أطلقت عدة أعيرة نارية مصيبة الرئيس فى مؤخرة رقبته ورأسه، وأعلن عن وفاته بعد أقل من ساعة. صدم موت كينيدى الدولة وتأثر بشدة كل من معارضى سياساته ومؤيديها جراء الحادث المأساوى. ولا يعرف أحد حتى اليوم من هو العقل المدبر وراء اغتيال كينيدى، لكن مازالت العديد من النظريات المختلفة قائمة.
وبعد تحقيق قصير أجرته لجنة وارين، استخلصت النتيجة بأن مرتكب الجريمة هو شخص واحد فقط. وبعد وقوع حادثة الاغتيال بعدة ساعات تم القبض على ضابط البحرية الأسبق لى هارفى أوزوالد، البالغ من العمر 24 عاما فى جريمة قتل الرئيس، ولكنه لم يعترف أبدا بارتكابه الجريمة، وقتل أوزوالد بعد يومين فقط من احتجازه. لم تظهر التحقيقات الأخرى التى أجريت حول مؤامرة الاغتيال أى دليل حقيقى، لكن ذلك لم يوقف تشكيل نظريات المؤامرة الواسعة.
***
وبخلاف الرؤساء، كان الزعماء السود ممن قادوا حركة كفاح الأمريكيين الأفارقة لنيل حرياتهم وحقوقهم من أهم ضحايا الاغتيالات السياسية. ففى عام 1965 اغتيل مالكوم إكس، الذى عرف أيضا باسم الحاج مالك شباز، وهو أحد أكثر الزعماء السود العنصريين هيمنة وجدلا فى التاريخ الأمريكى. كان مالكوم أكس المتحدث الرئيسى لحركة أمة الإسلام، وهى حركة دينية قائمة على التيار الانفصالى للسود. انشق مالكوم لاحقا عن الحركة وكون جمعية المسجد الإسلامى، إضافة إلى منظمة وحدة الأمريكيين الأفارقة فى العام 1964. اشتهر مالكوم إكس بسياساته وأيديولوجيته المثيرة للجدل، وعندما زادت حدة التوترات العنصرية أوائل الستينيات أصبح لديه ولدى أتباعه العديد من الأعداء. وبدأ العداء بين أتباع مالكوم ومنافسيهم من المسلمين السود فى التصاعد، وبعد تلقيه عدة تهديدات بالقتل هاجم ثلاثة مسلحين مالكوم وأطلقوا عليه النيران حتى مات، وذلك أثناء احتفال جماهيرى فى قاعة احتفالات بحى هارلم فى مدينة نيويورك فى 21 فبراير عام 1965.
أدين كل من تالمادج هاير، وتوماس جونسون، ونورمان باتلر بجريمة القتل، لكن مازال هناك ما يبرر الاعتقاد بتورط أطراف أخرى أيضا مثل حركة دولة الإسلام، أو الحكومة الأمريكية.
أما اغتيال الزعيم التاريخى لحركة الحقوق المدنية مارتن لوثر كينج فجاءت بعدما أطلق عليه الرصاص وقتل أثناء وقوفه فى شرفة حجرته بفندق صغير فى مدينة ممفيس بولاية تينيسى فى 4 أبريل عام 1968. تواجد كينج، الذى شجع على حدوث تغييرات اجتماعية واسعة من خلال وسائل سلمية، فى ممفيس لدعم احتجاج لعمال الصحة السود من أجل الحصول على حقوق مساوية لزملائهم البيض. اعترف القاتل المدعو جيمس إيرلى راى بارتكابه الجريمة للهروب من عقوبة الإعدام، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة. واعترف لاحقا بأن محاميه أجبره على الاعتراف وواصل الادعاء ببراءته.
***
لم تعرف أمريكا اغتيالا سياسيا مهما منذ المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس رونالد ريجان عام 1981. ورغم خشية البعض تبعات القرارات الدراماتيكية التى تتخذها المحكمة الدستورية العليا أو بعض حكام الولايات سواء دعم حق المثليين جنسيا فى الزواج أو قرار حظر على علم الدولة الكونفيدرالية (رمز الجنوب ودعم استمرار عبودية السود إبان الحرب الأهلية)، إلا أن العنف ضد المعارضين ليس على سلم أولويات أى من القوى السياسية. وتشهد أمركا اليوم حالة غضب وإحباط كبيرين لدى فئات تعتقد أن هذه القضايا لها رمزية تتعد التاريخ وتلمس معتقدات دينية وقيمية لم تجرؤ أى سلطة حكومية على الاقتراب منها من قبل، يفضل الجميع العودة للمحاكم كساحة للمعركة خاصة مع إيمان القطاع الأكبر من المواطنين بسيادة القانون، وبالثقة فى منظومة القضاء العادل.