رسائل حب - جميل مطر - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 5:58 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رسائل حب

نشر فى : الثلاثاء 3 أغسطس 2021 - 9:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 3 أغسطس 2021 - 9:10 م
قالت: لقاؤنا اليوم يحمل أكثر من رسالة ولأكثر من شخص. يحملها لكل من أحب وأثمر حبه سعادة ومتعة ولكل من أحب وخاب، ولكل من عاش تجربة حب ولم ينفذ من سطح الحب إلى ما تحت هذا السطح، ولكل من قضى من عمره سنين بحثا عن حب ولم يجد، يحملها أيضا لكل من أدركه الحب ولم يتعلق به، ولكل من عاش جزءا من حياة بقلب عامر بالحب وعاش بقية الأجزاء بقلب مكسور. هى أيضا رسالة لكل من يفتقد الحب.
قال: أحسنت يا صديقتى اختيار الوقت المناسب لعقد هذا اللقاء، فالحب كما ألمحت فى أزمة. سمعت فتاة ليست صغيرة طال بحثها عن الحب، بحثت حسب قولها فى كل مكان، بحثت فى الجامعة ومكان العمل وفى الحانات الليلية وفى النوادى وعلى الشواطئ وفى الطائرات والقطارات ولم تجد له أثرا. تنهى الفتاة شكواها بتعليق بذلت جهدا لتجعله خفيف الظل، قالت يبدو أن الحب نفد، استهلكه بالكامل جيل سبقنا إليه ولم يترك لنا شيئا منه. وأضافت: «لقد عرضت ما استطعت تدبيره من مغريات أو حسب رأى رجل وقور، ما استطعت حشده من محفزات».
تدخلت محتجا على الرأى الذى نقلته الفتاة عن الرجل الوقور الذى رفض أن يساوى بين المغرى والمحفز بحجة حماية الأخلاق العامة.
•••

قالت: نعم الحب فى أزمة. صرت أقضى الوقت أقارن بين حال الحب فى سنوات خلت وحاله فى هذه الأيام. أذكر أننى عشت أوقات كان الحب يملأنى ويفيض. كنت أدرس وأعمل وألعب وأرقص وأجادل وأحب. كله فى وقت واحد. أعتقد أنه بالحب تفوقت فى كل الأنشطة الأخرى التى تؤديها كل من كانت فى عمرى. لم أخذل أهلا أو معلما أو مدربا أو شريكا ولم أقصر فى تنفيذ واجب ولم أسمح بضياع فرصة للاستمتاع برحلة سفر أو وقت فراغ. كنت فى حب وفى الوقت نفسه كنت قريبة من قمة أداء الواجب والعطاء.
•••
قال: أعرف عن سيرتك مع الحب ما ورد على لسانك بتواضع. أعرف أكثر ولن أبوح به أو ببعضه إلا بإذنك، والأفضل أن يأتى على لسانك. كذلك أعرف عن سيرة الحب عند نساء أخريات ما يستحق أن تعرفيه ويعرفه، أو شذرات منه، أصدقاؤنا المشتركون. نعم.. نعم أقدر لك ملاحظتك أننى أنقل عن سير نساء متجاهلا سير رجال. تعرفين رأيى فى هذه الملاحظة كثيرة الترداد. على كل حال أفضل أن نترك مناقشتها إلى لقاء آخر احتراما لوقتنا المحدود فى لقائنا الحالى. كل ما أستطيع قوله الآن بشأن هذه الملاحظة هو أن الرجل لا يتقن التعبير عن حب أو حالة حب يمر بها. المرأة يا صديقتى وأنت خير من يمثلها تعتبر التعبير عن الحب جزءا لا يفترق عن الحب ذاته. الحب ينقص قليلا أو كثيرا لو افتقر إلى التعبير المناسب فى الوقت المناسب. لقد كانت المرأة الأفضل والأسبق دائما فى التعبير عن حبها، وكذلك فى التعبير عن وصوله إلى نهايته.
•••
قالت: أحسنت. تذكر ولا شك يوم جئت إليك أحمل لك بشرى، جئت أبلغك أنى أحب. كان سؤالك سريعا كعادتك فى تلقى الأنباء. سألتنى «كيف عرفت؟». أجبتك بدون تفكير «لأننى لم أعد أشعر أنى وحيدة». يومها نهضت من كرسيك ودرت حول المكتب إلى حيث كنت أجلس على الكنبة، وكنا نطلق عليها كنبة الاعتراف، ومددت يدك تمسح شعرى مباركا قبل أن تقول، هذا حب بإذن الله. على كل حال لم يعش هذا الحب طويلا.
مرت سنوات لا أذكر الآن عددها. إنما أذكر جيدا أننى جئت إليك باكية. تركتنى أبكى لتسألنى بعد جولة البكاء والتناهيد والدموع؟ سألتنى «من الرجل الذى أجبرك على ذرف كل هذه الدموع الغالية؟. رددت على سؤالك بسؤال «كيف عرفت أنه رجل؟». أجبت بلهجة الواثق والعارف، «صديقتى، المرأة لا تذرف كل هذه الدموع وأقسم لك دون أن أقترب لألمسها أنها كانت ساخنة، دموع ليست كدموع كثيرة انسابت أو انهمرت فى وجودى، أكرر، المرأة لا تذرف دموعا غزيرة ساخنة إلا لإهانة هائلة تعرضت لها من رجل».
•••
قال: نعم أذكر هذه الأمسية. ساعتها قدمت لى إضافة هامة فى موضوع كثيرا ما شغلنى وما يزال، ألا وهو ماذا يعنى الحب للرجل، وهل يمكن أن تتطابق أحاسيس رجل وامرأة تحابا؟ هل الحب واحد عندهما؟. تعودنا، وأنت منا، على أساليب تواصل من نوع يقدس الحب كلمة ومحتوى وأملا. أعرف وتعرفين أنه يكاد لا يوجد فى أيامنا هذه صبى أو فتاة تعرف أو يعرف كيف تكتب رسالة تعبر فيها عن حب يملأ جوانحها، حب يحميها من المتطفلين والغرباء، حب يولد بدوره طاقة بل طاقات ويضيف جمالا إلى جمال وعذوبة إلى نعومة ورهف. نعم، قرأت رسائل من فتيات فى سن المراهقة ومن سيدات فى منتصف العمر ومن سيدة بعينها استعارت كثيرا من ربيع عمرها جددت به وعطرت خريفه، قرأت لهذه الباقة وتعلمت منها قاعدة أن لا حب بدون تعبير، وإن لغة رسائل الحب ليست كغيرها من الرسائل ولا يجوز أن تكون مثلها.
لذلك فاجأتنى، كما فاجأتك، يا صديقتى، الرسالة التى يزعم صاحبها أنها إعلان حب، رسالة من كلمتين بعث بها عبر الإنترنت، لم يكتبها على ورق أزرق ولم يجملها بقطرتى عطر ولم يرفق بها أوراق زهرة. الغريب فى الأمر أنه ظن بسذاجته، التى يشاطرها معه ربما جيل بأكمله، أن المرأة التى تلقت الرسالة ضمن عشرات أو مئات الرسائل الإلكترونية التى تصل إليها يوميا، هذه المرأة سوق تقع فى شباك هذه الرسالة فترد مستجيبة برسالة من كلمتين هكذا نصها «وأنا كمان». نعم، فاجاتنى رغم أننا تعودنا على هذا النوع من أساليب التواصل ولكن لم يخطر على بالى أن يتدنى مستوى التعبير عن أرقى الأحاسيس إلى هذا المستوى الهابط والبارد والخالى فعليا من أى مشاعر حب. أين الاحترام الواجب للمرأة؟ أين الحب؟
•••
قالت: أشكرك يا صديقى. كلماتك مسحت الدموع التى التصقت بالخدين، والإهانة التى أصابت إنسانيتى قبل أن تجرح كبرياء الأنثى التى أجسدها وأفتخر بها. أعدك بأننى لن أنخدع بكلمات يرددها رجل فى حب امرأة لم يبذل من جهده ووقته ليحصل لها على ما تستحقه من احترام وفهم. أعدك أيضا بأننى لن أستسلم لضغوط وإغراءات نساء استسهلن الطرق الأقصر المؤدية إلى حب لا يحمل فى جوانبه طهر الكلمة والمعنى.
جميل مطر كاتب ومحلل سياسي