التضخم ومؤشر قرص الطعمية! - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 8:52 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التضخم ومؤشر قرص الطعمية!

نشر فى : الأربعاء 3 أغسطس 2022 - 7:35 م | آخر تحديث : الأربعاء 3 أغسطس 2022 - 7:35 م
أحد الأصدقاء أرسل لى صباح السبت الماضى الرسالة القصيرة التالية على «الواتس اب»: «طول ما قرص الطعمية بيصغر، اعرف على طول إن التضخم بيزيد»!!
ومن الواضح أن هذه الرسالة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعى، لدرجة أن البعض أطلق عليها ساخرا: «مؤشر الفلافل».
قرص الطعمية مثال عملى لشرح فكرة التضخم فى أى مكان بالعالم، فحجمه أو حجم أى سلعة أخرى، مقارنة بسعرها مثال حى لفكرة التضخم.
وحينما كنت أناقش هذه الفكرة مع أحد الأصدقاء الذين أعرفهم من أيام الطفولة فى إحدى قرى محافظة أسيوط قال لى بصورة جادة: «حتى تدرك معنى التضخم بصورة عملية، وحتى تعرف ماذا حدث لقيمة النقود، يكفى أن تعرف أننى حينما كنت تلميذا فى المرحلة الابتدائية بداية من عام 1971، كان مصروفى من والدى قرش صاغ أبيض. هذا القرش كان يشترى لى رغيفا ومعه قرصان من الطعمية، ولكى تعرف ماذا حدث للنقود وقيمتها عليك أن تحسب ببساطة كم تحتاج لكى تشترى الآن نفس الرغيف والطعمية. أغلب الظن أن السعر لن يقل بأى حال من الأحوال عن جنيهين، وبالتالى فإن القيمة الحقيقية للقرش الواحد فى بدايات السبعينيات ارتفعت الآن إلى ٢٠٠ قرش، يعنى ٢٠٠ ضعف».
معظمنا فى مصر خصوصا كبار السن مغرمين بالحكاوى التقليدية عن أن القرش الواحد كان يشترى «زمان» أكثر من عشر بيضات، نكرر ذلك لأولادنا، ولكن لا نخبرهم ببقية الحقيقة، وهى أنه ليس مهما كم كان حجم دخلنا المالى أو ممتلكاتنا، بقدر ما أن المهم هو: هل هذا المرتب كان يكفى احتياجاتنا الأساسية أم لا؟!
على سبيل المثال نفس الصديق يقول لى إن مرتب والده فى بداية السبعينيات كان ١٨ جنيها مصريا، لكن هذا الراتب كان يكفى الأسرة المكونة من أربعة أفراد بصورة جيدة. والآن فإن الحد الأدنى لتكاليف نفس الأسرة هو خمسة آلاف جنيه. إذا الـ ١٨ جنيها فى بداية السبعينيات هى نفسها الخمسة آلاف جنيه الآن.
وبالتالى فإن السؤال الذى ينبغى أن نفكر فيه دائما ليس هو حجم الراتب أو الدخل، أو ما نملك من أموال، بل هى قيمة ما يمكن لهذه الأموال أن تشتريه.
والتضخم حسب التعريفات الاقتصادية هو أن يكون هناك أموال كثيرة، لكن لا يقابلها إنتاج أو سلع فى الأسواق.
وكلما زادت الأموال وقلت السلع، كلما كان التضخم مرتفعا، وإذا تساوت الأموال مع السلع فمعنى ذلك أن التضخم مسيطر عليه، أما الأفضل فهو أن يكون لديك إنتاج أكثر من استهلاكك، وبالتالى تستطيع أن تصدر فائض الإنتاج للخارج، وتحصل على عملات أجنبية أكثر يمكن ترجمتها إلى سلع مختلفة أو فوائض مالية تجعل مستوى الحياة مرتفعا فى هذا البلد أو ذاك.
والواقع يقول إنه ومع تداعيات فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، فإن غالبية بلدان العالم تعانى من ظاهرة تضخم واسعة النطاق، والخشية الكبرى أن يكون هذا التضخم مصحوبا بركود اقتصادى كبير وممتد، وبالتالى يدخل العالم فى نفق لا نعرف متى وكيف نخرج منه.
ونتيجة لأسباب كثيرة ومتعددة فإن ديون العالم زادت والإنتاج قل كثيرا، ودول كثيرة اضطرت لتقديم حوافز مالية لمواطنيها لمواجهة تداعيات كورونا وأوكرانيا، وهو أمر كان حتميا، لكنه زاد من معدلات التضخم. وحينما كثرت الأموال الورقية وقل الإنتاج الفعلى، اضطرت العديد من الدول إلى رفع أسعار الفائدة، حتى تسحب السيولة المالية من الأسواق.
ورأينا أن البنك الفيدرالى الأمريكى زاد من سعر الفائدة بنسبة ٧٥ نقطة أساس قبل أيام قليلة، وهى الزيادة الثالثة هذا العام. ونظرا لارتباط العديد من دول العالم بعملة الدولار الأمريكى والاقتصاد الأمريكى، فقد اضطرت هذه البلدان إلى رفع نسبة الفائدة أيضا، كما حدث فى دول الخليج مثلا، والنتيجة هى أن كثيرين سيفضلون وضع أموالهم فى البنوك بدلا من استثمارها، وبالتالى يتراجع الاستثمار لأن العائد من وضع النقود فى البنوك سيكون أعلى من توظيفه فى الاستثمار بسبب ارتفاع سعر الفائدة على القروض الموجهة لهذا الاستثمار. وإحدى نتائج ذلك زيادة معدل البطالة، وانخفاض معدل النمو، ودخول معظم دول العالم فى حالة تضخم قد تتطور إلى ركود وهو ما يعنى مزيدا من البطالة ومزيدا من تراجع الإنتاج، وهكذا دواليك.
هل أدركتم الآن العلاقة بين مؤشر قرص الطعمية أو الفلافل والأوضاع الاقتصادية المتعثرة فى العالم أجمع؟!.
بنود مترابطة - 5
عماد الدين حسين  كاتب صحفي