دخل الصراع الدائر والمتعدد الجبهات ما بين إسرائيل من جهة، ومعظم تشكيلات المقاومة بالمنطقة من جهة أخرى والمنتشرة بفلسطين، إيران، ولبنان، وربما أرادت دولة الاحتلال تكثيف الصراع والدخول به فى مرحلة نوعية ومفصلية، عبر بدء عدة من الاغتيالات السياسية الممنهجة استهدفت من خلالها أبرز القيادات المفصلية لدى التنظيمات الجهادية، إن كان إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، أو فؤاد شكر أهم القادة العسكريين لحزب الله، وبالرغم من أن إسرائيل كانت على علم بكل تحركات القادة، لكنها تعمدت استخدامهم كأوراق استراتيجية تقايض عليها، وتخفض أو تزيد من حدة الصراع وحسبما يخدم على أهداف نتنياهو السياسية، فقبل أربعة أشهر تمكنت من بعض أبناء إسماعيل هنية وأحفاده.
القراءة الجيدة لتطورات الصراع، تفهم فى سياقات الزيارة الأخيرة لنتنياهو إلى الكونجرس، ورغم التصفيق والاستقبال بالمؤسسة التشريعية الأهم عالميا، إلا أن الدعم الأمريكى لنتنياهو كان باهتا ــ إن جاز التعبير ــ وإن أعلن وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن استعداد أمريكا الدفاع عن إسرائيل ضد أية هجمات، فهذه التحركات الأمريكية لن تنقطع، ولا شك تأتى فى إطار حفظ المصالح الأمريكية بالمنطقة، وصد الجماعات الجهادية، والمصنف معظمها إرهابية لدى واشنطن.
وبالعودة إلى المؤشرات على هذا الدعم الأمريكى الباهت مؤخرا لإسرائيل، فيتضح أن بايدن يحاول من جهة ختام مشواره السياسى ببعض النقاط البيضاء، محاولا تجاوز أخطائه والتى برزت فى كل صور الدعم غير المقنن لإسرائيل سواء عسكرى، لوجيستى وأيضا سياسى، ومن جهة أخرى تسعى كاملا هاريس المرشحة الديمقراطية فى الانتخابات الأمريكية إلى الاستفادة من أخطاء بايدن بالعدول عنها، لتعلن فى لقاء جمعها ونتنياهو، ضرورة حل الدولتين، المضمون ربما والذى كاد ينسى من قبل الغرب وقادته مؤخرا، إلا أن تراجع حظوظ دونالد ترامب، المرشح الجمهورى والرئيس السابق، فى السباق الأمريكى وعقب ظهور هاريس بسياساتها وخلفياتها، يهدد طموح نتنياهو فى الدعم الأمريكى المتواصل، ومنه أراد نتنياهو توريط الولايات المتحدة فى اشتباك مباشر مع إيران، وقبيل وضوح السياسات الأمريكية، وبينما تعاصر الولايات المتحدة مفترق طرق، تنتظر إسرائيل الرد الإيرانى تجاه اختراق سيادتها وأجهزتها المخابراتية.
حقيقة الأمر فإن الرد الإيرانى لم يتوقف وربما قبيل السابع من أكتوبر، لكن بطبيعة الحال طالما انتهجت طهران مبدأ المناورة السياسية مع دولة الاحتلال، كونها اعتادت الرد العسكرى عبر وكلائها وأذرعها الممولة والمدربة بشكل جيد، بدلا من الاشتباك والمواجهة العلنية، حتى مع تصريحات خامنئى بأن الرد على إسرائيل سيكون قاسيا، ومع انتفاضة الإعلام الفارسى بوجوب الرد الحاسم والسريع، فطهران لا ترغب فى ذلك، وربما لن تضيف أكثر مما تضيفه الأذرع والوكلاء، بل إن خسائر المواجهة المباشرة، قد تكبدها مزيدا من عقوبات يصعب التمرس معها، وفى ضوء إشكاليات الداخل المتفاقمة، أضف الاتفاق النووى والذى تحاول بشتى الطرق إتمامه، مع أى من المرشحين الأمريكيين، وإن كانت تتخوف من ترامب تحديدا.
بشكل عام فإن النهايات قد اقتربت، سواء من قبل دولة الاحتلال والتى تعمدت التصعيد، وعلى نحو ما يعانيه جيشها من الإنهاك الواضح، أو من قبل واشنطن ومع بروز الإدارة الأمريكية المنتظرة وأيا كانت، ستنتهج عكس ما انتهجه بايدن حتى لو ترامب المنكفئ على الداخل، هذا من جانب، من جانب آخر فربما يستخدم نتنياهو هذه الاغتيالات للترويج والزعم بأن أهدافه قد تحققت إحياء لماء الوجه، خصوصا أنه لا توجد مؤشرات أو معايير واضحة يمكن من خلالها قياس أهداف هذه الحرب.
كاتبة صحفية وباحثة أكاديمية فى العلوم السياسية