إن العبرة المأخوذة من نصر الله للمسلمين على التتار فى عين جالوت كثيرة:
لا عبرة بالزمان، بل العبرة بالخواتيم.
النصر مع الصبر والإخلاص لا بمجرد العدة والعدد.
الضعف جائز لأنه بشرى، وهو يجبر بالتوبة والرجوع إلى الصف والقتال مع المسلمين أو نصرتهم بكل ما يقدر عليه. لكن الخيانة لا تسوغ ولا تبرر ولا يعذر بها أحد ولا يعفى عن مرتكبها عقابا له ونكالا لغيره.
عاقبة الخيانة لعنة الله والناس، ولعنة التاريخ، وهذه خسائر دائمة عظيمة، لا تقارن بكسب مؤقت تافه مادى أو معنوى، للخائن أو لغيره من قومه أو ذريته، لا يسمن ولا يغنى من جوع. وهذا ما حدث لملوك العرب حلفاء التتر وفيه عبرة لحلفاء الصهاينة اليوم، فهل ثمة من يعتبر؟؟
عند أول تحرك للمسلمين من مصر فرَّ التتار من غزة وهكذا كل عدوٍ مستعمر غاز ما إن يتحرك ضده أصحاب الأرض والحق حتى يفر منها تاركا وراءه ما كان يملك من مالها وأهلها.
ولكن النصر صبر ساعة فمن علم هذه الحقيقة غنم وسلم، ومن خاف من عدوه انهزم مهما يكن عدد جنده أو عدتهم.
كان تجهيز الجيش المصرى بأموال الأمراء ونسائهم قبل أخذ أموال الناس، وكان ذلك بناء على فتوى العز بن عبدالسلام، الملقب بسلطان العلماء، رحمه الله، وهذا دور العلماء العاملين فى توجيه الحكام، وقد كان من حديث هذا الأمر أن الأمراء المماليك لما جَبُنوا عن ملاقاة التتار، استشار الملك المظفر قطز الشيخ عز الدين بن عبدالسلام، رحمه الله، فقال: «اخرجوا وأنا أضمن لكم على الله النصر».
فقال له السلطان: إن المال فى خزانتى قليل، وأنا أريد أن أقترض من أموال التجار (وقروض الملوك، المعتاد فى كل عصر ألا ترد). فقال الشيخ عز الدين: «إذا أحضرت ما عندك وعند حريمك، وأحضر الأمراء ما عندهم من الحلى الحرام (يعنى المأخوذة من النهب والسرقات والمصادرات لأموال الناس) وضربته سكة ونقدا وفرقته فى الجيش ولم يقم بكفايتهم، فذلك الوقت اطلب القرض، وأما قبل ذلك فلا» (!)
فأحضر السلطان والأمراء ما عندهم من الأموال والحلىِّ بين يدى الشيخ العز بن عبدالسلام، وامتثلوا أمره، ولم يحتج الجيش لأموال الناس، ونصرهم الله بطاعته سبحانه، وهزم التتر بمعصيتهم وتجبرهم!! وهكذا يكون دور العلماء، وهكذا كان دورهم دائما، كما سوف نرى من صنيع ابن تيمية فى المقالات التالية إن شاء الله.
من دروس عين جالوت أن الأمن القومى المصرى يبدأ من الشام شرقا، ومن السودان جنوبا، ومن ليبيا غربا، فلا مناص من رعاية هذه الحدود كلها بعلاقات مصرية خاصة: تحمى الديار وتضع فى حسبانها تغير الأحوال!! ولله الأمر.