مصر والعودة إلى تصدير الغاز المسال: الأبعاد الجيواستراتيجية - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 8:24 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر والعودة إلى تصدير الغاز المسال: الأبعاد الجيواستراتيجية

نشر فى : الإثنين 3 سبتمبر 2018 - 9:20 م | آخر تحديث : الإثنين 3 سبتمبر 2018 - 9:20 م

نشر الموقع الإلكترونى لصحيفة الحياة اللندنية مقالا للكاتب العراقى «وليد خدورى» ــ المتخصص فى شئون الطاقة ــ جاء فيه؛ أعلن وزير البترول المصرى طارق الملا، أن مصر مستعدة لإعادة تصدير الغاز المسال فى يناير المقبل، بعدما اضطرت لاستيراد الغاز المسال من الأسواق العالمية مدة 7 سنوات لسد العجز المحلى. وتوقفت الصادرات مع الفوضى التى سادت اضطرابات «الربيع العربى» وللنقص الذى طرأ على الاكتشاف والإنتاج للخلافات الاقتصادية بين الحكومة والشركات. وتبدأ إعادة تصدير الغاز المسال بعدما وقعت مصر عقودا طويلة الأجل مع كل من إسرائيل وقبرص لاستيراد الغاز، وبعد اكتشاف حقل «ظهر» وتطوير حقل «دلتا غرب النيل».
وأضاف الملا فى تصريح لصحيفة «الوطن»، أن السياسة المصرية تعطى الأولوية للطلب فى السوق الداخلية، بدلا من التصدير، ولم يتم تحديد رقم معين لحجم الصادرات، ما يعنى واقعيا أن مصر ستعتمد على استيراد الغاز فى المستقبل المنظور للاستمرار فى إعادة تصديره.
لماذا هذه السياسة التى تعطى الأولوية للاستهلاك المحلى وفى الوقت ذاته تستورد الغاز، تحديدا من إسرائيل، لإعادة تصديره؟ الهدف الأول تفادى شح السلع الأساس داخليا، وتفادى تجربة السنوات الأخيرة حين سُجلت انقطاعات يومية للكهرباء، ما تسبب بخسائر فادحة للاقتصاد الوطنى. والهدف الثانى محاولة تعظيم الأرباح من خلال تشغيل مصانع باهظة الكلفة. وتحاول مصر عبر هذه السياسة، الوصول إلى الاكتفاء الذاتى الداخلى من خلال الاكتشافات الضخمة.
وتستطيع مصر بهذه الطريقة أن تصبح المحور الأساس لصناعة الغاز الشرق المتوسطية. وفى الوقت ذاته، تستفيد الدول الإقليمية المصدرة، أى إسرائيل وقبرص وغيرهما، لاحقا من تصدير الفائض المحدود الحجم لإمدادات الغاز المتوافرة لهم التى تفيض حاجتها عن طلب السوق الداخلية، والتى سيكلف تصديرها إلى أسواق بعيدة، مثل أوروبا، أثمانا باهظة لا يمكن جنى الأرباح الكافية منها، نظرا إلى أن سعر الغاز الواصل إلى أوروبا لن يستطيع منافسة أسعار الغاز من الدول المصدرة الرئيسة، أى روسيا وقطر والجزائر.
وسيفرض توافر إمدادات محدودة من الغاز لدول شرق المتوسط على هذه الدول التعاون فى مشاريع مشتركة، على رغم الصراعات السياسية بينها. ويكمن وراء هذه الفرضية خلق تعاون اقتصادى واسع مع إسرائيل، وتطبيع العلاقات الاقتصادية ليس فقط ما بين الدول المعنية، بل أيضا مع الشركات الإقليمية الضخمة. ويُنفذ هذا الانفتاح الاقتصادى مع إسرائيل فى وقت يتم فتح بعض الأسواق فى الدول العربية الأخرى لها، وفى وقت تستمر إسرائيل فى قضم الأراضى الفلسطينية، ضم شرق القدس، وتوطيد سياسات الفصل العنصرى والاستيطان.
وتحاول مصر جاهدة ترشيد كل من استهلاك الغاز وزيادة طاقتها الإنتاجية لتصبح مكتفية ذاتيا بحلول نهاية العام الحالى. وإلى جانب زيادة الإنتاج من حقل «ظهر»، الذى تبلغ طاقته الإنتاجية القصوى نحو 29 بليون متر مكعب سنويا، هناك زيادة الإنتاج من حقل «دلتا غرب النيل» الضخم، وذلك فى ظل رفع الدعم وزيادة الأسعار المحلية للغاز الذى يزيد استهلاكه نحو 5 فى المائة سنويا. ويبلغ عدد سكان مصر نحو 105 ملايين نسمة، ويستعمل الغاز فى توليد نحو 85 فى المائة من الطاقة الكهربائية، إضافة إلى أنه الوقود المفضل للصناعات الثقيلة.
ويشمل الاتفاق الإسرائيلى ــ المصرى موافقة شركتى «ديليك للحفريات» الإسرائيلية و«نوبل إنرجى» الأمريكية على تصدير نحو 64 بليون متر مكعب من الغاز سنويا من حقلى «تامار» و«لفيتان» لمدة 10 سنوات بقيمة 15 بليون دولار. وتستلم الغاز شركة «دولفينوس القابضة» المصرية لإيصاله إلى محطات التسييل، وسيتم نقل جزء من هذا الغاز عبر خط أنبوب عسقلان ــ العريش الذى كان يُستعمل حتى عام 2011 لتصدير الغاز المصرى إلى إسرائيل، ثم سيتم عكس وجهة الصادرات. وعلى رغم أن الاتفاق هو بين شركات تجارية، إلا أن من الواضح أنه لم يكن فى الإمكان عقده من دون موافقة الحكومات المعنية ودعمها. وتكمن أهمية موافقة مصر على استيراد الغاز الإسرائيلى لإعادة تسييله ثم تصديره، فى مساعدة الشركات العاملة فى الحقول الإسرائيلية للحصول على ضمان إضافى لتأمين قروض من المصارف العالمية لتطوير حقول ضخمة، أى «تامار» و«لفيتان». فالشركات العاملة فى الحقول البحرية الإسرائيلية صغيرة الحجم، وتطوير «تامار» و«لفيتان» يحتاج نحو 30 بليون دولار.
ومن دون عقود بيع وشراء، لا تقدم المصارف العالمية هذه القروض الضخمة للتطوير، كما أن إسرائيل أخفقت فى الحصول على عقد تصدير مع أى دولة أوروبية حتى الآن، ما يعنى أن التصدير إلى الأسواق العربية ساعدها على تمويل تطوير حقولها. ويتوقع أن يستمر التعاون الغازى المستقبلى ويتزايد بين دول شرق المتوسط، وليس من المستغرب أن يمتد هذا التعاون إلى دول عربية أخرى مستقبلا، لأن الاكتشافات الغازية فى شرق المتوسط حتى الآن لا تزال محدودة نسبيا، إذ بالكاد تكفى لتلبية الاستهلاك المحلى لكل دولة.
وفى الوقت ذاته، فإن الاستثمار فى مصانع تسييل الغاز الجديدة يكلف عشرات بلايين الدولارات، وتشييد خط أنابيب بحرى من شرق المتوسط إلى الأسواق الأوروبية يكلف أيضا بلايين الدولارات. وبما أن اقتصادات دول المنطقة محدودة الإمكانات، فالاتجاه المتوقع هو المشاركة فى التصدير عبر خطوط أنابيب مشتركة بدلا من منفردة، ما سيؤدى إلى خلق تعاون اقتصادى ضخم بين إسرائيل والدول الغازية المجاورة، وتحديدا بين الشركات الكبرى فى المنطقة التى لديها الإمكانات المالية والهندسية الضخمة.
ويتوقع أن يؤدى هذا التعاون إلى خلق تطبيع سياسى واسع النطاق ملائم لتطوير صناعة الغاز الإقليمية ولإضافة عنصر جديد على عملية التطبيع الإسرائيلية ــ العربية الجارية حاليا. لكن هذا التطبيع الاقتصادى يأتى فى الوقت الذى تقضم إسرائيل أراضى فلسطينية جديدة وتشرع قوانين الفصل العنصرى وتشييد المستعمرات والمستوطنات فى الضفة الغربية. وهذه السياسات التى استفزت المواطنين الفلسطينيين والعرب، تتنافى مع أهداف التطبيع الاقتصادى، ما قد يؤدى إلى تأخير بعض المشاريع أو تجميدها.

الحياةــ لندن

التعليقات