إسرائيل تتحدى الجميع - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الإثنين 16 سبتمبر 2024 10:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إسرائيل تتحدى الجميع

نشر فى : الثلاثاء 3 سبتمبر 2024 - 7:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 3 سبتمبر 2024 - 7:50 م

 منذ أن أفاقت إسرائيل من مفاجأة وصدمة عملية طوفان الأقصى التى شنتها المقاومة الفلسطينية فى قطاع غزة، وهى تنتهج سياسة استخدام القوة العسكرية المدمرة والتى لا تلتزم ولا تحترم أى قوانين للحرب، أو الإنسانية أو حقوق الإنسان. واستخدمت وحلفاؤها تعبير التدفاع عن النفس فى مغالطة شديدة وواضحة لأنها دولة احتلال، وتبيح كل القوانين الدولية للشعب الفلسطينى حقه المشروع فى مقاومة الاحتلال الإسرائيلى بكل الوسائل للحصول على حقوقه وإقامة دولته المستقلة وفقا للقرارات والمرجعيات الدولية ذات الصلة.

ووجدت إسرائيل دعما غير مسبوق من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية الرئيسية، بكل الوسائل العسكرية والاقتصادية والسياسية والإعلامية، الأمر الذى أعاد إليها الثقة فى أنها مؤمنة تماما من حلفائها الذين وفروا لها مظلة شاملة من الحماية والدعم لتلتقط أنفاسها وتنتقم من المقاومة الفلسطينية فى غزة لأنها تجرأت وضربت الأمن الإسرائيلى وثقة الإسرائيليين فى حكومتهم وجيشهم فى مقتل. ورأى هؤلاء الحلفاء أن من حق إسرائيل القضاء على أى خطر يهدد أمنها واستقرارها حتى ولو كان حركة مقاومة.

وبناء عليه وضعت الحكومة الإسرائيلية خطة شيطانية للانتقام بضراوة ووحشية غير مسبوقة من الفلسطينيين فى قطاع غزة بالدرجة الأولى، وفى الضفة الغربية أيضا. وكان طموح إسرائيل فى بداية حربها على قطاع غزة، إثارة حالة من الرعب والفزع لدى سكان القطاع لدفعهم قسرا إلى الهجرة إلى سيناء فى مصر، ولم يكن هذا الطموح سرا، بل جاء فى عدة تصريحات للوزراء وكبار المسئولين الإسرائيليين وبدعم ومساعٍ أمريكية لإقناع مصر التى رفضت بشدة أى تهجير للفلسطينيين والذى يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية والاعتداء على السيادة المصرية، كما رفض الفلسطينيون، والأردن أى تهجير من غزة والضفة الغربية والقدس.

وقد اتجهت إسرائيل إلى التركيز على تنفيذ تحويل قطاع غزة «إلى مجموعة من الخرائب»، ومعاقبة ما أسموه «الحيوانات البشرية» فى قطاع غزة أشد عقاب على عملهم الوحشى ــ على حد قولهم ــ ضد الإسرائيليين فى 7 أكتوبر 2023، والعمل على التخلص من حماس عسكريا وسياسيا، لضمان عدم تكرار ذلك.

وبدأت قوات الاحتلال الإسرائيلية فى عملية تدمير ممنهجة لأحياء سكنية كاملة فى قطاع غزة بقنابل أمريكية قوتها التدميرية لكل قنبلة أكثر من طن، واستخدام القنابل الحارقة. وتدمير مرافق المياه والصرف الصحى ومحطات الكهرباء، والمحطات الصغيرة لتحلية مياه البحر وجميع وسائل الاتصالات ومرافق النقل وخدمات الإسعاف. والتركيز على قتل أكبر عدد من السكان  خاصة الأطفال والنساء وإصابة أكبر عدد من الشباب والصبية بعاهات مستديمة تسبب لهم إعاقة مدى الحياة. وقتل أكبر عدد من الصحفيين والمراسلين وموظفى الأونروا خاصة الفلسطينيين منهم.

• • •

وتعد إسرائيل قضية السكان الفلسطينيين سواء فى قطاع غزة أو الضفة الغربية، وداخل إسرائيل نفسها قضية أمنية بالدرجة الأولى، ويسمونها القنبلة السكانية لأن معدل الزيادة السكانية الطبيعية للفلسطينيين نحو 3% سنويا وهى أعلى بكثير من معدل الزيادة السكانية الطبيعية للإسرائيليين، وبمرور الوقت سيصبح الفلسطينيون الأغلبية فى كل فلسطين التاريخية ويتحول الإسرائيليون إلى أقلية. ومن ثم تعمل إسرائيل بكل الوسائل على قتل أكبر عدد من الفلسطينيين، وخنقهم اقتصاديا وإغلاق الأفق السياسى لأى حل للقضية الفلسطينية، ودفعهم إلى الهجرة خارج فلسطين، وأى فلسطينى فى مدينة القدس إذا تغيب خارجها ستة أشهر لا يسمح له بالعودة نهائيا.

وتنظر إسرائيل إلى المستوى التعليمى والعلمى والثقافى للفلسطينيين بخوف شديد لأنها تؤهلهم للمطالبة بحقوقهم والدفاع عنها وإظهار قدراتهم على بناء وإدارة كيان فلسطينى متكامل يسهل انتقاله إلى دولة فى أى وقت بما يتوفر لديهم من كوادر سياسية وإدارية وفنية وعلمية قادرة على المنافسة حتى داخل إسرائيل نفسها بشهادة بنى جانتس حين قال ذات مرة بأنه يشعر بخجل من الفلسطينيين لاستخدام القوة ضدهم بينما أقاربه يعالجهم أطباء وأطقم تمريض فلسطينية. لذا قامت قوات الاحتلال الإسرائيلية بتدمير 6 جامعات من إجمالى 7 جامعات فى قطاع غزة، وتدمير معظم مدارس ومقار ومراكز وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التى توفر تعليما متميزا للاجئين الفلسطينيين على مدى نحو 74 عاما فى مخيماتهم فى قطاع غزة والضفة الغربية والأردن وسوريا ولبنان، ولديها فى كل هذه المناطق أكثر من 720 مدرسة، وتوفر لهم الرعاية الصحية والاجتماعية وتوفر فرص عمل لنحو 28 ألف فلسطينى فى مختلف المجالات. وتعتبر إسرائيل أن الأونروا من أشد أعدائها لأنها تحافظ على قضية اللاجئين الفلسطينيين منذ 1948 حتى الآن حتى يعودوا إلى بيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم التى طردتهم منها القوات الإسرائيلية ويتم تعويضهم عن ما لحق بهم من أضرار وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة والذى سبق وقبلته إسرائيل حتى يسمح لها بالانضمام إلى الأمم المتحدة عام 1949. واتهمت إسرائيل الأونروا بالتعاون مع حماس ضدها، وأثبتت لجنة تحقيق دولية برئاسة وزيرة خارجية فرنسا السابقة عدم صحة الادعاءات الإسرائيلية. وتطالب إسرائيل بتصفية الأونروا وتحويل اختصاصاتها إلى منظمات دولية أخرى للتخلص من مسئولية إسرائيل عن قضية اللاجئين الفلسطينيين.

واستطاعت إسرائيل أن تحاصر قطاع غزة من الأربع جهات بعد احتلالها محور صلاح الدين (فيلادلفى) ومعبر رفح على الجانب الفلسطينى مع مصر، والتحكم فى كل المساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة لحرمانهم الغذاء والدواء والوقود الكافى لأن يعيشوا حياة إنسانية عادية.

وأضافت إسرائيل لكل ما سبق عمليات الاجتياح العسكرى لمدن الضفة الغربية وأعمال القتل والأسر وتدمير المرافق والبنية الأساسية، وطالب وزير خارجيتها بترحيل سكان الضفة الغربية كما حدث فى قطاع غزة إلى أن يتم القضاء على عناصر المقاومة الفلسطينية. هذا إلى جانب اغتيال قيادات المقاومة الفلسطينية، بما فيهم إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسى لحماس.

• • •

وقد شجع إسرائيل على كل ذلك الدعم الأمريكى الغربى، وغياب الدعم للمقاومة الفلسطينية، وعدم تطبيق أى عقوبات على إسرائيل سواء لعدم تنفيذها قرارات الأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية، وتقاعس المحكمة الجنائية الدولية حتى الآن عن إصدار أوامر توقيف ضد نتنياهو ووزير الدفاع جالانت وبعض قيادات حماس التى طلبها المدعى العام للمحكمة.

وتشتهر إسرائيل بممارسة المفاوضات من أجل المفاوضات سنين طويلة دون نتيجة. وقد استمرت فى مفاوضات تنفيذ اتفاق أوسلو نحو 31 عاما استثمرتها فى التوسع فى المستوطنات فى الضفة الغربية والقدس وتكرار انتهاكات حرمة المسجد الأقصى وإعلان وزير الأمن بن جفير مؤخرا عن النية فى إقامة معبد يهودى فى باحته.

لذا فإن مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى ورفع الحصار عن قطاع غزة تمضى على نفس النهج الإسرائيلى وهو إضاعة الوقت، وكلما تم التوافق على صيغة معينة وموافقة المقاومة الفلسطينية عليها، تقدم إسرائيل مقترحات جديدة تعلم مقدما أنها مرفوضة من جانب حماس والوسطاء، كما أدخلت إسرائيل التفاوض مع مصر بشأن وجود قواتها فى محور صلاح الدين (فيلادلفى) ومعبر رفح لمزيد من إضافة الوقت وتؤكد أنها لن تنسحب كلية منهما وإنما يمكن أن تخفف وجودها العسكرى، وهو ما ترفضه مصر وتطالب بخروج كل القوات الإسرائيلية. وتدور المفاوضات فى حلقات مفرغة دون أن تكترث إسرائيل بحاجة المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأمريكية كامالا هاريس لوقف إطلاق النار ورفع الحصار عن غزة للحصول على أغلبية أصوات الشباب الأمريكى الذين يطالبون بذلك، حيث تفضل إسرائيل المرشح الجمهورى دونالد ترامب، ولا تنسى عدم حضور هاريس استقبال الكونجرس الأمريكى لنتنياهو، ولا ترتاح لانتمائها للجناح الراديكالى فى الحزب الديمقراطى وتصريحاتها التى لا ترضى عنها، رغم تأكيدها الالتزام بإمداد إسرائيل بالأسلحة الأمريكية ودعمها للدفاع عن نفسها.

إن إسرائيل ماضية بشراسة فى تصفية القضية الفلسطينية والحيلولة دون تنفيذ حل الدولتين، ولن يوقفها شىء عن ذلك إلا بتطبيق عقوبات اقتصادية وتجارية وسياسية عليها من الدول العربية والإقليمية مع حشد أكبر عدد من دول الاتحاد الإفريقى ومنظمة التعاون الإسلامى وحركة عدم الانحياز للانضمام لتطبيق هذه العقوبات إلى أن يتم جلاء القوات الإسرائيلية عن الأراضى الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. 

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات